الإحاطة الصحفية للمتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، موسكو، 24 مارس/ آذار 2022
حول البيان الصادر عن مجموعة من الدول الغربية بمناسبة ذكرى بدء الأحداث في سورية
لفت انتباهنا البيان المشترك الصادر في 15 آذار\مارس من هذا العام عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لانطلاق ما يسمى كما يقولون "الانتفاضة السورية".
اسمحوا لي أن أذكركم بأن نهج سياستنا فيما يتعلق بالأزمة السورية كان ولا يزال يكمن في احترام سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها وسلامة أراضيها. وعلى مدى السنوات الماضية سمعنا الكثير من الاتهامات وكم مرة أخافونا وتوعدوا بنا. لكن التاريخ وضع كل شيء في نصابه. فبفضل تصرفات روسيا في سورية تحطمت "الآلة" التي أطلقها الغرب لتدمير الدول في الشرق الأوسط. ولو تحقق المخطط الغربي لكان كارثة على العالم بأسره، هذا للأسف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار توفر التقنيات ذات الصلة، التي كادت أن تؤدي إلى ظهور أسلحة الدمار الشامل (بالطبع الحديث يدور عن الأسلحة القذرة غير الرسمية)، وأعداد هائلة من الأسلحة في المنطقة بالاضافة إلى المتطرفين والإرهابيين والأيديولوجية الأصولية.
المخطط الذي أطلقه حلف شمال الأطلسي (أولاً وقبل كل شيء الولايات المتحدة الأمريكية) في منطقة الشرق الأوسط كاد أن يؤدي إلى كارثة عالمية. في حين أن روسيا الاتحادية منعت من وقوع هذه الكارثة حيث ساهمت مساهمة حاسمة في هزيمة داعش أكبر تنظيم إرهابي في تاريخ البشرية. والسؤال الذي يطرح نفسه هل تم نسيان هذا التنظيم؟ ألم يعد هناك في الغرب الآن شيء ما يذكر بهذا التهديد العالمي القائم؟ أياً كان الأمر فقد تم الحاق الأضرار الجسيمة بالتشكيلات المسلحة غير الشرعية الأخرى، ومن المحزن أنهم لا يتذكرون ذلك. ما تبقى من دولة مثل العراق وقواتها العسكرية المهزومة والمدمرة، بمعنى أنها لم تعد قوات منظمة وتحت سيطرة الدولة، التي تحولت إلى ميليشيات متناثرة مدججة بالسلاح وجماعات تحمل أيديولوجية أصولية ظهرت بعد قدوم الغرباء. كل ذلك هيأ البيئة المناسبة والمغذية لظهور داعش. ليس هناك شعور بالمسؤولية أو الندم.
وكما رأينا ونرى فإن تصرفات الناتو تجاه ليبيا على سبيل المثال، أدى إلى انتشار الفوضى في المنطقة، والتي تواجه عواقبها الآن جميع دول شمال إفريقيا والساحل الأفريقي تقريباً. ولا يمكن وصف قصف ليبيا بالطائرات من قبل عدد من دول الناتو سوى على إنها جريمة حرب، كانت نتيجتها انهيار الدولة وإفقار السكان ونشر المجاعة وتدفق المهاجرين واندلاع الحرب الأهلية
كما هو متوقع يعكس هذا المنتج الدعائي التفسير الغربي المعيب للأحداث في الجمهورية العربية السورية، المليء بالتقييمات المغرضة والمعايير المزدوجة. على ما يبدو قرروا اغتنام الفرصة وقلب تفسير تلك الأحداث رأساً على عقب. لكن لن تؤتي هذه المحاولات أوكلها. إذ يتوافق هذا البيان تماماً مع النهج المعروف لـ "الغرب الجماعي"، الذي يهدف لنشر المعلومات المضللة وتضليل المجتمع الدولي فيما يتعلق بما يحدث في سورية وفي أجزاء أخرى من العالم.
البيان يكرر الاتهامات المعتادة ضد السلطات الشرعية في الجمهورية العربية السورية وكذلك ضد روسيا. والمحاولات الواردة في نص البيان الرامية إلى تصوير بأنه هناك أوجه تشابه بين الأزمة السورية والوضع في أوكرانيا مدعاة للسخرية أكثر من أي وقت مضى. في كلتا الحالتين روسيا متهمة بخلق كارثة إنسانية. إذا كانت هناك أوجه تشابه بين هاتين الحالتين ففي كلتا الحالتين تصرفت وتتصرف روسيا الاتحادية استجابةً لطلبات قادة الدول ذات السيادة بهدف حمايتهم والدفاع عن السكان وبسط الاستقرار، ذلك أن الخلل في التوازن كان ناتجاً عن تصرفات الدول الغربية نفسها.
من جانبنا نرى أنه من الضروري أن نتذكر مرة أخرى الدور المدمر للولايات المتحدة وحلفائها، الذين قاموا عن سابق إصرار منذ بداية الأزمة السورية بإثارة هذا الدور. وسعياً وراء مصالحهم الأنانية واللحظية والانتهازية، لم يترددوا في تقديم الدعم الشامل لأية قوى معارضة لحكومة الجمهورية العربية السورية. لقد قاموا بتقديم المزيد والمزيد من الدعم للمتطرفين، بما في ذلك خلق "طبقة" جديدة من الإرهابيين الدوليين. وفي نفس الوقت من الحتمي أن الغرب كان يدرك أن مثل هذه السياسة تؤدي إلى إطالة أمد الأزمة واستمرار إراقة الدماء. على ما يبدو هذا هو المطلوب وكانت هذه إحدى المهام.
"التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة لم يحارب تنظيم داعش بقدر ما نفذ قصفاً مكثفاً للأراضي السورية أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية. حيث استهدفت هذه الضربات مراراً وتكراراً الجيش السوري، الذي حرر بلاده من جحافل الإرهابيين الذين تم جلبهم وتسليحهم بمساعدة الغرب.
أود أن أذكركم بالاستفزازات "الكيماوية" القذرة التي نظمتها جماعات تشرف عليها أجهزة المخابرات الغربية. وكان يطلق على هؤلاء "المنظمات الإنسانية" و "منظمات حقوق الإنسان" والمنظمات غير الحكومية (على سبيل المثال "الخوذ البيضاء"). في الواقع هذا جزء من سلسلة أعمال راديكالية. لقد قدموا كل أنواع الدعم للإرهابيين. وبطبيعة الحال تم ذلك بأموال غربية. قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتمويل كل شيء علانية (فيما يتعلق بالخوذ البيضاء). قاد ذلك عميل متقاعد من أجهزة الاستخبارات البريطانية الخاصة، والذي تم التخلي عنه لاحقاً باعتباره لم يعد هناك حاجة لخدماته خاصة عندما بدأ في التدخل.
لا يزال الأمريكيون يعرقلون استعادة سيادة الجمهورية العربية السورية على المناطق الواقعة ما وراء نهر الفرات. حيث يدفعون ويشجعون الأكراد المحليين إلى الانفصال، ما من شأنه أن يؤدي إلى تقطيع أوصال البلاد. وتواصل الولايات المتحدة احتلال "منطقة الأمان" بطول 55 كيلومتراً حول قاعدتها العسكرية غير الشرعية في منطقة التنف جنوب البلاد. وبالتالي فإن حكومة الجمهورية العربية السورية محرومة من الوصول إلى حقول النفط والموارد الطبيعية الأخرى الواقعة في شمال شرق سورية.
نظرياً تم الإعلان عن تحسن الوضع الإنساني في سورية، لكن في الواقع تبذل الولايات المتحدة وحلفاؤها كل ما في وسعها لإبطاء عملية إعادة اعمار سورية بعد الأزمة، من خلال مواصلة توسيع نطاق الإجراءات التقييدية الأحادية الجانب ضد الحكومة السورية. نتذكر كيف تم فرض المزيد من العقوبات على الرغم من تدهور الوضع "على الأرض" بسبب الوباء. وتم توجيه الضربات تلو الأخرى من أجل الحاق الضرر بالسكان المدنيين ووضع حياتهم في ظروف لا تطاق وبالتالي التأثير على الحكومة السورية.
إنه لسيناريو مروع... في البداية كانت هناك محاولات لتغيير النظام وزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى في البلاد وتجنيد المتطرفين والمسلحين وإمدادهم بالسلاح، وتنفيذ تجارب وأعمال إرهابية من بينها استخدام الأسلحة الكيماوية والقصف الجوي وضخ النفط وسرقته ونهب ثروات الدولة. لكن عندما لم ينجح كل ذلك بسبب الإجراءات المكثفة التي اتخذتها روسيا، تم فرض العقوبات الخانقة على خلفية جائحة الكورونا ضد سورية التي قاومت بالفعل وحاولت بشتى الوسائل البقاء على قيد الحياة على مدى عشر سنوات من الحرب.
أذكر كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت عندما طرح الصحفيون الغربيون سؤالاً (وقتها كان بإمكانهم طرح مثل هذه الأسئلة) كيف تقيم الولايات المتحدة حقيقة أن الآلاف من الأطفال (والأرقام كانت تشير إلى نصف مليون) ماتوا بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على العراق. أجابت بكل هدوء (تم توثيق ذلك بالفيديو) إنها تدابير لها أسبابها... بكل بساطة هذا كل شئ. ثم صاغوا مصطلح "الخسائر الجانبية" - التضحيات التي يجب بذلها من أجل أن تسود وجهة النظر الأمريكية على كل ما يحدث، حتى تحقيق الهيمنة والتأكيد على إنهم شعب "استثنائي". بمعنى أن الأمر مجرد "ضحايا مبرر سقوطها.
حالياً هم يركزون على ما يحدث في أوكرانيا وعلى موضوع تدفق اللاجئين وما إلى ذلك. عليهم العمل على حساب عدد الضحايا المدنيين من جراء العقوبات الأمريكية فقط التي فرضت ضد أمريكا اللاتينية وضد منطقة الشرق الأوسط. أما التفجيرات والقصف هو موضوع آخر سأتحدث عنه بشكل منفصل. فيما يتعلق بسورية، يتم إعاقة عملية التسوية السياسية للأزمة السورية الخاصة بعودة اللاجئين والنازحين في الداخل بشكل مصطنع، وهذا كله بسبب الغرب أيضاً.
نود التأكيد على أن الدول التي تبنت البيان المذكور تتحمل المسؤولية الكاملة عن الأحداث المأساوية على الأراضي السورية. والحديث يدور عن ما يقرب من نصف مليون قتيل وأكثر من ذلك الجرحى والأخطر من ذلك الأضرار بمليارات الدولارات للاقتصاد السوري والبنية التحتية الاجتماعية. هذه هي معاناة الشعب الذي رفض بأغلبية ساحقة المشروع الجيوسياسي للغرب. والسؤال هل يحق لهم توجيه الادانة لسورية وروسيا اللتين لعبتا دوراً رئيسياً في هزيمة تنظيم داعش وتواصلان جهودهما المستمرة لتعزيز السلام الذي طال انتظاره على الأراضي السورية.
في عام 2015 قمنا بمناشدة الجميع لإنشاء تحالف عالمي مناهض لداعش والإرهاب. لكن قوبل هذا لنداء بالسخرية لأن ذلك لم يتماشى مع خططهم. هم اعتقدوا بأننا لن نستطيع تحقيق أهدافنا، لكن النتيجة أننا أنجزنا المهمة ولهذا على ما يبدو قرروا الانتقام منا. على كل حال لن يتمكنوا هذه المرة أيضاً من تنفيذ مآربهم.