مقابلة وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف مع صحيفة "كوميرسانت"، موسكو، 14 أبريل/نيسان 2025
سؤال: لقد عُقدت بالفعل عدة جولات من المفاوضات مع الجانب الأمريكي منذ أن استلمت الإدارة الجديدة سدة الحكم في الولايات المتحدة. كيف تقيم نتائج هذه اللقاءات؟ هل تم صياغة المعايير الأساسية للتوصل إلى إتفاقية شاملة في المستقبل بشأن أوكرانيا؟ وما هي جوانب الاتفاقية التي تم التوافق حولها بين واشنطن وموسكو؟
سيرغي لافروف: أبدأ فوراً بالإجابة على السؤال الأخير - كلا. أما فيما يتعلق بالمكونات الرئيسية للتسوية فإنه من السهل الاتفاق حولها، وهي قيد المناقشة.
من جانبنا لا يوجد أسرار، إذ ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضوح، خلال كلمة ألقاها في وزارة الخارجية الروسية بتاريخ 14 حزيران/يونيو 2024، المبادئ التي على أساسها حدّد مؤشرات تسوية موثوقة وعادلة طويلة الأمد، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الناس قبل كل شيء، وتضمن حقوق الإنسان بشكل كامل (وخاصة حقوق الأقليات القومية) وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وقد تم بيان هذا كله.
الحديث لا يدور عن مواقف متشددة. وهنا أود أن أؤكد مرة أخرى أن هذه المبادئ تستند بشكل صارم إلى نص ميثاق الأمم المتحدة، وعلى العديد من المعاهدات وعلى نتائج الاستفتاءات، وإرادة الشعوب في مناطق دونباس ونوفوروسيا قبل كل شيء. والحديث يدور عن المناطق الأربع التي قررت بشكل شفاف، بعد تصويت شعبي وتحت إشراف دولي، العودة إلى وطنها الأم الأكبر، وفي حالتنا هذه المقصود روسيا الاتحادية.
أما بالنسبة للجانب الأمريكي، فقد أشرنا بالفعل أنه على عكس الأوروبيين - (وهنا لا يمكنني انتقاء كلمة أخرى غير الجنون)، الذين هم حرفيًا في دوامة من الجنون (الحديث أولاً وقبل كل شيء، عن قادة فرنسا وبريطانيا ودول البلطيق وبعض البلدان الأخرى في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي) - تحاول إدارة ترامب التعمق في حيثيات المشكلة وفهم السبب الجذري للوضع الذي نشأ نتيجة لأفعال واشنطن وبروكسل، والتي جلبت النظام الحالي إلى السلطة من خلال تنظيم ودفع ثمن الانقلاب غير الدستوري، الذي وقع في شهر فبراير/شباط 2014.
لابد لي من الاشارة إلى إن فكتوريا نولاند، التي كانت مسؤولة آنذاك عن أوكرانيا في وزارة الخارجية الأمريكية ضمن إدارة أوباما، صرّحت في مجلس الشيوخ في إحدى جلسات الاستماع، مدافعة عن فعاّلية سياسة الإدارة الأمريكية قائلة: "لقد أنفقنا خمسة مليارات دولار، وأدى ذلك إلى تحقيق النتائج، حيث تم إنشاء سلطة صديقة في أوكرانيا". وسرعان ما أصبح من الواضح أن هذه كانت سلطة نازية. كانت الغريزة الأولى التي تحركت من خلالها تلك السلطة في فبراير/شباط 2014 هي انتهاك الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الليلة السابقة تماماً، حيث كان الألمان والفرنسيون الجهة الضامنة للاتفاق هذا (سوف نضطر إلى الحديث عنهما أكثر من مرة اليوم إذا ما فكّرنا في طرق خيانة الاتفاقيات التي وافق عليها مجلس الأمن). لقد رفضوا تشكيل حكومة وحدة وطنية، التي كان من المفترض أن تقوم بالتحضير لانتخابات مبكرة، وأعلنوا أمام ساحة التجمع بأكملها، أمام "الميدان" بأكمله، التهاني بمناسبة تشكيل ما يسمى "بحكومة المنتصرين".
كل هذه الأحداث أصبحت حينها تحمل طابعاً لا رجعة فيه (أعني أنه في نهاية المطاف لا يمكن إخراج هذه "الروح الشريرة" من السلطة إلّا من خلال استخدام القوّة العسكرية). إذ كانت الغريزة الأولى لهؤلاء "الانقلابيين"، الذين استولوا على القصر الرئاسي والمباني الإدارية في فبراير/شباط 2014، هي الإعلان عن إلغاء صفة اللغة الروسية كلغة معتمدة في الدولة. وبالتالي أصبح من الواضح تماماً إلى أين ستؤول الأمور.
لقد صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر من مرة بأنّ قرار إدارة بايدن بجرّ هذا البلد بشكل نهائي إلى حلف شمال الأطلسي كان خطأً فادحًا، الذي أصبح بما في ذلك "المحفز" أو أحد الأسباب الرئيسية لما يحدث الآن في أوكرانيا. يذكر أنه كانت هناك بعض الوعود من قبل، لكن ومع تولي بايدن السلطة، بدأ الغرب في التعامل مع هذا الأمر بجدية. وقد اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علناً أكثر من مرة بأن فهم أحد الأسباب الجذرية الرئيسية هو أمر في غاية الأهمية.
وعندما كنّا في اجتماع (بمشاركة مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف أيضًا ضمن وفدنا) مع وزير الخارجية مايك روبيو ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، تحدثنا أيضًا عن السبب الرئيسي الثاني، وهو أن السلطة النازية الممثلة بشخص فلاديمير زيلينسكي ورفاقه اتخذوا مسارًا نحو إبادة كل ما هو روسي.
لقد قتلوا جسديًا العديد من الشخصيات البارزة، بما في ذلك الصحفيين والشخصيات الاجتماعية الذين دافعوا عن ضرورة الحفاظ على الثقافة الروسية في بلد تم إنشاؤه إلى حد كبير من قبل الروس، البلد الذي ليس فقط ساعده الروس لعدة قرون، بل وعملوا على تنميته، وبنوا مدنًا مثل أوديسا والعديد من المدن الأخرى والموانئ والطرق والمصانع والمعامل. لقد تم إبادة هؤلاء الناس جسديًا.
من الناحية القانونية (إذا أخذنا الوضع الحالي للتشريع الأوكراني) تم إبادة كل ما هو روسي، حيث تم إصدار سلسلة من القوانين، والتي تم صك العشرات منها، قبل وقت طويل من أن نقرر أنه لا يوجد بديل عن بدء العملية العسكرية الخاصة. وإدارة ترامب تدرك هذا أيضًا.
وعلى وجه الخصوص، صرّح المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف في إحدى المقابلات التي أجراها (أعتقد مع تاكر كارلسون) علناً إن هذه الأراضي يسكنها أشخاص أجروا استفتاءات وعبّروا عن إرادتهم في أن يكونوا جزءاً من روسيا الاتحادية.
هناك قضايا من المستحيل بمكان عدم أخذها بعين الاعتبار: حلف شمال الأطلسي، اجتثاث حقوق الإنسان. نحن لا نتحدث عن "الأرض"، بل عن حقوق الناس الذين يعيشون على هذه الأراضي، ولهذا السبب فإن هذه الأراضي عزيزة علينا. لا يمكننا التخلي عنها من خلال طرد الناس من هناك، كما هو الحال مع المقترح الذي نسمعه حول الفلسطينيين من قطاع غزة.
أليس هؤلاء الذين، بقيادة فلاديمير زيلينسكي، يواصلون "التطبيل" بشأن حدود عام 1991 ويريدون أيضًا طرد الناس من هناك أو يريدون إعادتهم تحت حكمهم النازي، إلى وضع نسي فيه الجميع اللغة والثقافة والتاريخ وكل ما فعلته روسيا من أجل هذه الأراضي؟ إنهم يحتاجون إلى الأرض للتفاوض على سعر أعلى. لقد باعوا بالفعل شيئًا ما لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأسعار "مضاربة". والآن لم يعد لديهم ما يقدمونه للأميركيين. هؤلاء هم مجرد تجّار من أولئك الذين ليس لديهم أي شيء مقدس.
لقد كنت مؤخراً في أنطاليا، حيث شاركت في المنتدى الدبلوماسي، ألقيت كلمة واقتبست عن فلاديمير زيلينسكي، الذي صرّح خلال مقابلة أجريت معه مؤخراً، إن ما يدفعه للقيام بكل ذلك هو الكراهية تجاه الروس. عندما طلب منه توضيح أنه يكره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أجاب إنه يكره كل الروس. بالمناسبة فلاديمير زيلينسكي أكّد بالأمس ذلك مرة أخرى خلال مقابلة مع وسيلة إعلامية أخرى.
نحن لا نشعر فقط بفهم هذه الأمور من قبل الأميركيين، لا بل يقول الأميركيون إنهم يدركون أن هناك حاجة إلى القيام بشيء ما بشأن هذه الأسباب الجذرية. لا أريد حتى أن أشك في عدم وجود شخص واحد يفكر بشكل طبيعي في أوروبا. ربما هناك من يفهم حقيقة ما يجري، لكن أيضاً يتم إسكاتهم. باستثناء الحالات النادرة، إذ لا يجرؤ على قول الحقيقة إلّا رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ورئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو، وبعض خبراء السياسة والأكاديميين الذين ليسوا في السلطة.
إن الأميركيين، وإدارة ترامب، لديهم هذه القدرة التي تميزهم عن أولئك الذين لا يريدون حتى التفكير، بل يتبجحون على الشاشة (آسف على الكلمة غير الأنيقة للغاية) ويبدأون في المطالبة بأن توقف روسيا على الفور العمليات العسكرية لمدة شهر. ويقولون إنهم سيكون لديهم الوقت لـ"سد الثغرات" بسرعة وإرسال بعض قوات حفظ السلام. لقد شرح زيلينسكي لهم كل شيء بالفعل بعيون متوهجة (عيناه تتوهج أحيانًا، وأحيانًا تصبح "خافتة")، عندما كان هناك نقاش حول قوات حفظ السلام (سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جاهداً لذلك)، وقال إنهم لا يحتاجون إلى قوات حفظ سلام، لكنهم يحتاجون إلى وحدات قتالية. بمعنى أعطونا الأسلحة بسرعة، والمقاتلون من بلدانكم، وسوف ندافع عن "وطننا الأم". لقد اضطررت إلى توضيح رؤيتنا بالتفصيل حول من وماذا وكيف نفهم الأمور فيما يتعلق بأوكرانيا.
وبالعودة إلى جوانب أخرى من الحوار الروسي الأميركي، فمن المؤكد أنه بعد "الفشل" الذي دام ثلاث سنوات، ليس من السهل انتشال العلاقات من هذه الحفرة. خصوصاً إن الرغبة الصادقة (التي نرى أنها صادقة بالفعل) لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه في العودة إلى الوضع الطبيعي بعد "حالة من الارتباك الشديد والحيرة والذهول"، الذي سيطر على النخب في واشنطن (ليس الديمقراطيين فقط، بل وقسم من الجمهوريين أيضاً)، بدأت هذه النخب الآن تدعو للمقاومة. يقال أنه يتم التحضير لبعض "التحركات" سراً من خلال جماعات الضغط ووسائل الإعلام. نحن نقرأ عن ذلك. على الرغم من عدم وجود أي أسرار حول هذا الموضوع، إلا إنهم يريدون منع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إقامة علاقات ناضجة مع روسيا، كما هو مناسب بين قوتين عظميين وكما ينبغي أن يكون بين أي دولة وأخرى.
ينص ميثاق الأمم المتحدة (لا أتعب من اقتباسه دائماً) على أن الأمم المتحدة تقوم على أساس المساواة في السيادة بين الدول. عندما لم تكن المنظمة العالمية موجودة بعد، لم يتعامل المستعمرون الغربيون مطلقًا مع العلاقات مع الآخرين على قدم المساواة. اذكروا لي على الأقل حالة صراع واحدة منذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945، حيث قبل الغرب أطراف الصراعات المنخرطة فيها بنشاط على قدم المساواة. إطلاقاً. ولهذا السبب ليس من السهل استعادة الوضع إلى الحالة الطبيعية.
هناك تناقضات بين الصين والولايات المتحدة لا تقل أهمية. ربما لا يتم عرضها بقسوة في الفضاء الإعلامي، لكنهما المتنافسان الرئيسيان، وربما الوحيدان، على الهيمنة على الاقتصاد العالمي والسندات المالية. أما بالنسبة للاقتصاد، فانظر إلى حرب الرسوم الجمركية المستمرة حتى الموت. كما أن لديهما خلافات كبيرة بشأن القضايا الجيوسياسية، بما في ذلك قضايا وحدة أراضي الصين، على وجه الخصوص تايوان وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والنزاعات الإقليمية. إذ تقف الولايات المتحدة بوضوح في هذه القضايا، إلى جانب أولئك الذين يعارضون الحقوق الصينية، التي تم الاعلان عنها بشكل أو بآخر.
إن موقف الغرب من تايوان هو قمة النفاق. حيث يعلن ممثلون عن إدارة الرئيس الأميركي وجميع الحكومات الأوروبية وبالكلمات فقط، أنهم يحترمون مبدأ الصين الواحدة ويلتزمون به، لكنهم يضيفون على الفور: أن لا أحد يجرؤ على تغيير "الوضع الراهن". ما هو الوضع الراهن؟ بحكم الواقع يعني أن تايوان مستقلة، يتم تسليحها، وتبرم اتفاقيات مستقلة بشأن القضايا الاقتصادية دون أن تسأل الصين عن أي شيء. أعتقد أنه هناك "لعبة" ما في هذا الاطار. إذ أعلن ممثلون عن الصين مؤخراً مرة أخرى إنهم يؤيدون بشدة التوصل إلى تسوية سياسية ودبلوماسية لقضية استعادة وحدة الصين، ولكن إذا واصل الغرب استفزازاته وحرّض تايوان على رفض إعادة التوحيد بشكل سلمي، فإن جمهورية الصين الشعبية لا تستبعد مسألة اللجوء إلى أي أساليب أخرى.
لقد قدّمت أمثلة تبين أن العلاقات هناك مثقلة بتناقضات جوهرية عميقة، ولكن لم ينقطع الحوار قط في عهد إدارة بايدن أو قبلها. ورغم كل الشتائم العلنية والصاخبة التي يتم تبادلها بين الحين والآخر، لم يخطر ببال أحد قط أن الأميركيين قد يتجاهلون الأمر ويقولون إنهم يعلنون عن مقاطعة الصين، وأنها بحاجة إلى عزلها. لا يمكن لأحد أن يتخيل هذا أبدًا. أما فيما يتعلق بروسيا، فقد تصوّر بايدن نفسه "معلّمًا" و"مرشدًا" وشخصًا يتخذ "القرارات المصيرية" ويعلنها ويجبر الآخرين على اتباع هذا "المسار".
إن عودة الحوار الطبيعي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر بديهي. وحقيقة أن هذا الأمر أثار ضجة كبيرة بالنسبة للكثيرين والسبب هو "إرث" عقلية بايدن، التي أرادت جعل "العزلة" الكاملة لروسيا أمرًا طبيعيًا. يا له من هراء مطلق. على كل حال لم يتحقق ذلك. الحوار صعب، لكنه في طور إعادة التأهيل. الأمر الرئيسي هو أن هناك رغبة لدى الجانبين، بالرغم من المشاكل والتناقض بين المصالح الوطنية بشأن عدد من القضايا المدرجة على جدول الأعمال الدولي (ربما حتى في معظمها). من الضروري أن نلتقي كأناس ذوي أخلاق حسنة وبكل أدب وأن نستمع إلى بعضنا البعض، وهذا ما يحدث بالفعل.
هناك تفاهم حول كيفية المضي قدمًا في استئناف العمل الطبيعي لسفاراتنا، وكيفية حل المشاكل المتعلقة بإصدار التأشيرات في الوقت المناسب للدبلوماسيين، بما في ذلك الدبلوماسيين الروس العاملين في الأمم المتحدة (وهذا وضع مختلف قليلاً).
لقد استغلت إدارة بايدن السابقة، وقبله إدارة أوباما، والإدارة الأولى لترامب، حقيقة أن مقر الأمم المتحدة يقع في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه وفقًا لجميع القواعد والاتفاقية التي وقعتها واشنطن مع الأمم المتحدة، فإنه ليس للأمريكيين الحق في منع توظيف مواطني أي دولة عضو في المنظمة العالمية. ولا تزال هناك حالات لا يستطيع فيها الموظفون المعتمدون من قبل الأمانة العامة للأمم المتحدة السفر إلى أماكن عملهم لأن الأميركيين لا يصدرون لهم تأشيرات، حيث ينتظر الناس لعدة سنوات.
عندما بدأنا، في عهد جو بايدن، نواجه صعوبات في تمويل سفارتنا، قمنا بالرد بالمثل. والآن، فإن أصحاب العقول في الإدارة، الذين ظهروا أخيرًا هناك بعد رحيل أنصار بايدن أو إقصائهم عن العمل جانبًا، يقومون معنا بحل القضايا العادية المتعلقة بسير عمل البعثات الدبلوماسية في بلداننا التي لم تقطع العلاقات الدبلوماسية مع بعضها البعض. إنه ضرب من الجنون أن تضطر إلى القيام بهذا العمل، ولكن على الرغم من ذلك، الأمر هو كذلك.
الاتجاه الثالث هو الاقتصاد والتجارة. عن هذه المجالات تحدث الأميركيون في المرحلة الأولى، عندما أجريت المحادثة الهاتفية الأولى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك عندما وصل المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، وعندما كان رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميتريف بزيارة إلى الولايات المتحدة. إنهم رجال أعمال. بالنسبة لهم، الأرباح المادية مهمة. علماً أن دونالد ترامب لا يخفي هذا الأمر. هذه هي فلسفته، هذه هي سياسته. لقد صوّت الشعب الأمريكي لهذا النهج، وبالتالي من الواضح أنهم يبحثون عن الربح.
إذا أخذنا أوروبا على سبيل المثال، فإن الأميركيين يريدون خفض تكاليف تمويل حلف شمال الأطلسي، وخاصة تكلفة تمويل القوات الأميركية ومساهمتها في الدفاع عن أعضاء آخرين في حلف شمال الأطلسي. انظر إلى من لديه فائض في التجارة، ومن لديه عجز في التجارة، ومن يفرض أي ضرائب على مشاريع استثمارية معينة. كل هذا يحدث، لكنه يحدث بشكل فوضوي. لقد حدث بهذه الطريقة. وهذه هي السياسة التي ينتهجها الرئيس المنتخب للولايات المتحدة.
لقد كانت المسألة المادية مهمة بالنسبة لهم دائمًا، وهذا ما كان واضحاً أيضاً خلال فترة ولاية دونالد ترامب الأولى. هنا، كل شيء سيعتمد على كيفية التخطيط لتنفيذ استئناف التعاون الاقتصادي. وبالمقارنة مع الرقم القياسي الذي بلغ 34 مليار دولار قبل بضع سنوات، فإن 90% من هذا المبلغ اختفى بسبب العقوبات غير القانونية.
إذا كنت تتابع النقاش في مجتمعنا، فأنت تعلم أننا لا نطلب من أحد ولا نترجى لرفع العقوبات. لدينا فريق قوي من رواد الرأي العام، الذين يعتقدون أن رفع العقوبات سيكون له عواقب كارثية. لأن المسؤولين ذوي التوجهات الليبرالية سيحاولون على الفور التراجع عن كل هذه الإنجازات التي تحققت في قطّاع تعويض الواردات، وتحقيق السيادة الاقتصادية والإنتاج، وضمان الأمن في تلك المجالات التي يعتمد عليها تطور الدولة، بما في ذلك الأمن الغذائي والتكنولوجي والعسكري. هناك مخاوف متزايدة من أن هؤلاء الأميركيين "الماكرين" سوف يرفعون العقوبات فجأة ويغرقون سوقنا على الفور بالخدمات والتقنيات التي تضررنا من خروجها.
حتى الآن لم يتم تسوية قصة الطائرات المدنية بعد. الحديث يدور عن التسجيل المزدوج وقطع الغيار والمحركات، مع العلم هم يقولون إنهم لن يعطونا أي شيء، بمعنى دع صناعة الطيران تموت في روسيا. أعتقد ما من شخص طبيعي يريد هذا الأمر.
أقول مرة أخرى: أنا متأكد تمامًا من أن الرئيس فلاديمير بوتين كان على حق عندما لفت الانتباه مراراً وتكراراً إلى حقيقة أنه لا يتعين علينا أن نصبح تابعين لأحد بعد الآن، خاصة فيما يتعلق بالقطّاعات الحساسة ذات الأهمية للدولة. وكما قال مؤخراً، أثناء كلمة ألقاها في مؤتمر الاتحاد الروسي لرجال الصناعة والأعمال: إذا أراد أي من أولئك الذين فرّوا من العمل في روسيا بعد أن "أمرتهم" حكوماتهم بالعودة، فسوف نرى ما إذا كان لهذه الشركة بالتحديد أي مكان شاغر. إن المواقع الشاغرة التي خلّفوها بعد فرارهم من روسيا لم تعد ملكاً لهم. في إشارة إلى إن الكثير منها مشغول بالفعل من قبل شركاتنا ورجال الأعمال من تلك البلدان الذين واصلوا العمل، وقاموا بتنفيذ التزاماتهم من حيث توظيف مواطنينا ومن حيث تنفيذ خططهم لتزويد الأسواق بسلع معينة. بمعنى أن الأسواق سابقاً وضعت خططها بالفعل لعملها بناءً على حقيقة وجود ونشاط الشركات والمؤسسات العالمية، لكن الذي حدث بعد ذلك تم تدمير كل ماتم الاتفاق حوله.
أعتقد أنه في هذا الخلاف بين أولئك الذين يقولون إن العقوبات لا ينبغي أن تُرفع تحت أي ظرف من الظروف وأن الأمور في حال رُفعت العقوبات سوف تزداد سوءاً، من جهة، وأولئك الذين يقولون إننا سوف نقع مرة أخرى في الاكتفاء الذاتي من الاقتصاد العالمي، من جهة أخرى، فأنا في الحقيقة مع الرأي الأول، ومن الصعب الحديث عن مسألة الاكتفاء الذاتي.
لم يعد هناك أي عولمة للاقتصاد العالمي، التي تم تدميرها بالفعل. وهذا الأمر حدث ليس بسبب دونالد ترامب، بل بسبب جو بايدن، عندما فرض العقوبات وجعلها الأداة الوحيدة لسياساته الخارجية. وعلى الرغم من العدد القياسي للعقوبات المفروضة ضدنا إلّا أنه لم نكن وحدنا. إذ أنه هناك أكثر من نصف دول العالم تخضع لعقوبات وأنواع مختلفة من القيود، على سبيل المثال الصين وإيران وفنزويلا. وهذه الدول هي أكثر البلدان التي فرضت ضدها العقوبات، لكن أكثر من مائة دولة تخضع لعقوبات أحادية الجانب تفرضها الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى.
لقد بدأت عملية تجزئة الاقتصاد العالمي قبل وقت طويل من يومنا هذا. لكن ما أكسب العملية تسارعاً ملموساً هو استخدام بايدن للدولار كسلاح لمعاقبة الدول البريئة من أي اتهامات. علماً أنه لم يتم إجراء أي مفاوضات مع أي دولة، اعتبرت أنها تنتهك المعايير الديمقراطية. على العكس تماماً تم إيقاف التعامل معها بالدولار، وتم خلق الصعوبات والعوائق، التي على الرغم من كل شيء تم تجاوزها، ولكن بعد ذلك تمت محاولة إغلاق طرق الالتفاف هذه. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يصرّح دونالد ترامب قبل الانتخابات وبعدها، عندما ظهرت نزعة نحو إنشاء منصات دفع بديلة وبدأت التسويات المالية بالعملات الوطنية تكتسب قوة، قائلاً إن إحدى جرائم (أسوأ من جريمة) وأخطاء جو بايدن كانت استخدامه للدولار كسلاح. وبذلك، قوّض الثقة في وسيلة الدفع هذه، ووضع "قنبلة موقوتة" سوف "تنفجر" لا محالة في يوم من الأيام.
كما أعرب ترامب عن مخاوفه من أن تقوم مجموعة البريكس بإنشاء عملة خاصة بها. منوهاً إذا حدث ذلك، فإنه سيفرض رسومًا فلكية للغاية على هذه المجموعة. وهذا يدل أيضاً على أنه يفهم الدور الذي يلعبه الدولار والسندات الورقية من الاقتصاد العالمي بشكل عام في تحديد مكانة الولايات المتحدة في العالم، وفي ضمان دورها القيادي. بعد هذه التعريفات الجمركية، خسرت جهة ما 50 مليار دولار فقط لأن السجلات وأجهزة الكمبيوتر التي يحدث فيها كل هذا تفاعلت مع تغيير الواقع في الحياة اليومية، خاصة بعد سماع أنهم سوف يأخذون المال منّا. في الوقت نفسه أثبتت العولمة الافتراضية عدم استقرارها. إذ يتم ضخ البورصات بهذه العقود الآجلة، ثم ينهار كل شيء ويتحول الأمر إلى مأساة. على كل حال هذه المرحلة سوف تنتهي قريباً.
سؤال: أنتم تقولون إن الإدارة الأميركية الجديدة لديها رغبة في مناقشة ليس فقط القضايا الثنائية، بل أيضاً التسوية السلمية في أوكرانيا.
وفي جلسة الأمم المتحدة التي عقدت مؤخراً بشأن أوكرانيا، على خلفية الهجوم على كريفوي روغ، حذّر ممثل الولايات المتحدة من أن المزيد من الضربات الروسية على الأراضي الأوكرانية قد تؤدي إلى انهيار محادثات السلام.
وتبع ذلك بعد أيام قليلة هجوم على سومي، حيث قُتل، وفقًا لتصريحات من الجانب الأوكراني، العديد من المدنيين والأطفال مرة أخرى. هل يعني هذا أن روسيا لا تأخذ التحذيرات الأميركية على محمل الجد؟
سيرغي لافروف: من هو الممثل الذي أدلى ببيان بعد هجوم كريفوي روغ؟
سؤال: القائم بأعمال ممثل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.
سيرغي لافروف: لدى الأميركيين العديد من الممثلين الرسميين. ومن بين هؤلاء، أحد الممثلين وهي سيدة، التي ذكرت مؤخراً شيئاً في غرينلاند. لكن بعد ذلك طُلب منها العودة إلى وطنها والبحث عن عمل آخر.
لا أريد أن أقول إن هذه السيدة (لا أتذكر هذه العبارة التي ذكرتها) تستحق نفس المصير، لكننا نعلم جيداً أن موقف الغرب وأوروبا والولايات المتحدة في عهد بايدن كان تهيمن عليه الأكاذيب الفاضحة.
أنا لفت انتباه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عدة مرات على مدى العامين الماضيين إلى حقيقة أنه بصفته الشخص الإداري الأعلى في المنظمة (كما هو منصوص عليه في الميثاق)، يتعين عليه تنفيذ ما جاء في المادة 100 من الميثاق، وعدم الانحياز إلى أي طرف، بل السعي إلى موقف متوازن، وعدم تلقي تعليمات من أي حكومة.
لقد عرفته منذ وقت طويل، تربطنا علاقة صداقة قوية، وعملنا مع بعضنا البعض لعقود من الزمن في مواقع مختلفة. قلت له إنه ربما لا يتلقى أي أموال في هذا المنصب، لكنه ينفذ تعليمات الدول الغربية فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا.
والآن، مرة أخرى، بعد الصيحات التي تفيد بأن "العشرات من الأطفال والمدنيين قتلوا في سومي"، أدلى الأمين العام ببيان يؤكد فيه أنه يدعو بقوة إلى وضع حد لمثل هذه الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وضرورة تسوية الأزمة الأوكرانية على أساس ميثاق الأمم المتحدة واحترام وحدة أراضي أوكرانيا على أساس القرارات ذات الصلة للجمعية العامة.
أولاً، يحظر القانون الإنساني الدولي بشكل قاطع نشر المنشآت العسكرية والأسلحة في مناطق الأحياء السكنية المدنية. منذ الأيام الأولى للأزمة، وحتى قبل ذلك، أي خلال اتفاقيات مينسك، عندما كانت هناك الآمال "الوردية" المنهارة، في أن تتيح المجال بحل الأزمة سلمياً والبقاء على أوكرانيا ضمن وحدة أراضيها باستثناء شبه جزيرة القرم، (لكن لم يرغبوا في فعل ذلك)، كانت هناك "مليون" حقيقة حول نشر أنظمة المدفعية والدفاع الجوي في أحياء المدن بالقرب من رياض الأطفال. هناك العديد من مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت حيث تصرخ النساء الأوكرانيات مطالبات الجيش بالابتعاد عن المتاجر وملاعب الأطفال. ولكن هذه الممارسة مستمرة حتى الآن.
لدينا حقائق حول من كان موجودًا في المنشأة التي تعرضت للقصف في سومي. كان هناك "اجتماع" آخر للقادة العسكريين الأوكرانيين مع زملائهم الغربيين، الذين كانوا إما متنكرين على شكل مرتزقة أو لا أعرف متنكرين في صورة أخرى. هناك ضباط من دول حلف شمال الأطلسي وهم يقودون العمليات بشكل مباشر، والجميع يعرف هذا. علماً أن صحيفة نيويورك تايمز كانت قد أوضحت مؤخراً كيف لعب الأميركيون دوراً حاسماً في الهجمات على روسيا منذ البداية. مع الاشارة إلى إن معظم الصواريخ طويلة المدى ما كان لها من دون هذا الدور، أن تنطلق من قواعدها أبدًا.
النقطة الثانية التي أذكّر بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من الحين للآخر هي عندما يقول إنه من الضروري تنفيذ ميثاق الأمم المتحدة وضمان وحدة أراضي أوكرانيا. لماذا من الضروري ضمان وحدة أراضي أوكرانيا عندما تكون هناك حكومة في السلطة لا تمثل شبه جزيرة القرم أو دونباس أو نوفوروسيا أو عدد من الأراضي الأخرى التي لا تزال تحت سيطرة نظام كييف النازي؟
إذاً ينص ميثاق الأمم المتحدة، قبل وقت طويل من ذكره لوحدة الأراضي، على "احترام الحقوق المتساوية وحق الشعوب في تقرير المصير". هذا هو المبدأ الذي كان الأساس لعملية إنهاء الاستعمار، وخاصة في أفريقيا. نعم، لقد انتظرنا لفترة طويلة - 15 عامًا بعد عام 1945، ولكن بعد ذلك، بمبادرة من بلدنا، "بدأت العملية" (كما قال أحد قادتنا) واكتملت، ولكن ليس بشكل نهائي. إذ لا تزال هناك 17 منطقة تكتسب صفة التبعية ضمن انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة. وهذه الانتهاكات تأتي في المقام الأول من الفرنسيين والإنكليز.
يصرخ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصوت عالٍ قائلاً بأن الروس ملزمون بالامتثال لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. ولكنه لا يتذكر أبداً أنه خلافاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإرادة سكان عدد من الأراضي الأفريقية، فإن فرنسا تحتفظ بـ"قطع" من هذه الأراضي. ربما يحبون الذهاب إلى هناك لقضاء إجازاتهم في تلك الأماكن الجميلة حيث أشجار النخيل، في تنويه إلى أن مثل هذه المناظر الخلابة غير موجودة في باريس، فهناك الأوساخ والجريمة.
نحن نذكّر أصدقاءنا في الأمم المتحدة بأنه إذا قالوا أنه من الضروري تسوية الأزمات وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، فعليهم أن يكونوا على قدر المسؤولية وأن يتعاملوا معه (باعتبارهم المسؤول الإداري الأعلى) بشموليته وترابط مبادئه.
إن مبدأ تقرير المصير يرتبط بمبدأ وحدة الأراضي بشكل بسيط. لقد أعلن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1970، على شكل إعلان مبادئ العلاقات بين الدول، احترام وحدة أراضي جميع الدول التي لا تنتهك حكوماتها مبدأ تقرير المصير، وبحكم هذا، تمثل كل السكان الذين يعيشون في هذه الأراضي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل فلاديمير زيلينسكي و"زمرته" يمثّلون سكان جنوب شرق أوكرانيا؟ أبداً ولا بأي شكل من الأشكال. عندما يقول الأمين العام للأمم المتحدة اليوم إن الأزمة الأوكرانية يجب أن تُحل على أساس قرارات ذات الصلة، فهو يعني القرارات المتعلقة بكراهية الروس والقرارات الشنيعة تمامًا والتي تم اعتمادها على مدى السنوات الثلاث الماضية من خلال التصويت وأصوات أولئك الذين ابتزهم الغرب، وهددهم وأجبرهم.
إن القرار الذي ذكرته بشأن ضرورة قيام الدول التي تحترم نفسها بتمثيل كل الشعوب على أراضيها هو قرار تم اتخاذه بالاجماع ولم يلغه أحد.
نحن تحدثنا عن الاجتثاث الذي مورس بحق اللغة الروسية من خلال صك القوانين، وعن القانون الأخير الذي يحظر الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية القانونية - شقيقة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة تقول: "يجب على كل فرد ضمان احترام حقوق كل إنسان، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين". لقد تم ذكر اللغة والدين بشكل مباشر في ميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي لا يهتم به زملاؤنا الغربيون. ويبدو أن الغرب، بما أنه ممثل في مجلس الأمن الدولي، لا يهتم أيضاً بهذه المسألة.
سوف نثبت ذلك، والحقيقة إلى جانبنا.
سؤال: ألا تعتقدون أن هاتين النقطتين (حق الشعوب في تقرير المصير ووحدة الأراضي) متعارضتان بشكل لا يمكن التوفيق بينهما؟
وأرى جهودكم لربط هاتين النقطتين وتفسير أفعالكم على أساس أن روسيا تسترشد بإحدى هاتين النقطتين. والطرف الآخر لن يتفق معنا على أي حال، ولن تتوصلوا إلى اتفاق بهذه الطريقة.
في إحدى الجلسات العامة بمشاركة رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان، تحدث توكاييف عن هذا الأمر وحذّر من أنه إذا استرشدنا فقط بالفكرة والنقطة المتعلقة بحق الشعوب في تقرير المصير، فسوف يندلع على الفور حوالي 650 صراعاً لا يمكن التوفيق بينها على الإطلاق في العالم. هل ينبغي أن نفعل شيئاً حيال هذا؟
سيرغي لافروف: يتعين علينا التعامل بكل صدق.
أتذكر هذه الكلمة التي ألقاه رئيس كازاخستان قاسم توكاييف، لكن أنا لا أتفق معه. علماً أننا أوضحنا موقفنا لاحقًاً لأصدقائنا الكازاخستانيين. بالنسبة له، ليس هناك سوى مبدأ وحدة الأراضي. كررت له أنه إذا كانت كازاخستان عضوًا في الأمم المتحدة، فيجب عليها احترام ميثاق المنظمة بكامله. وقدمت مثالًا على ذلك هو إنهاء الاستعمار. إن ما حدث هناك هو بالضبط ما هو مكتوب في إعلان مبادئ العلاقات بين الدول. بمعنى آخر، يتم احترام وحدة الأراضي في الدول التي تمثل حكوماتها جميع الناس الذين يعيشون على هذه الأراضي. ولم تكن باريس ولا لشبونة ولا مدريد ولا لندن ولا أي قوة استعمارية واحدة تمثل كل الناس الذين يعيشون في الأراضي التي استولى عليها هؤلاء المستعمرون. وهذا لا يحتاج إلى دليل. ولذلك، فإن عملية إنهاء الاستعمار جرت في ظل الامتثال الكامل لميثاق الأمم المتحدة.
إن الفاشيين والنازيين في كييف لا يمثلون أقارب أولئك الذين أحرقوهم في أوديسا، وأولئك الذين عذبوا وقتلوا أطفالهم في دونباس ("حديقة الملائكة" في دونيتسك تم تشييدها تكريماً لهؤلاء)، وأقارب أولئك الذين لقوا حتفهم في أوائل يونيو/حزيران 2014 في وسط لوغانسك نتيجة قصف الطائرات العسكرية. يحظر القانون الإنساني الدولي استخدام القوات المسلحة ضد شعبه في النزاعات الداخلية. بإمكاني مواصلة القائمة إلى ما لا نهاية.
مع تحرير المزيد والمزيد من القرى، انظروا كيف كان رد فعل أولئك الذين كانوا تحت "نير" النازية (لا أستطيع أن أسميها تسمية أخرى) لأكثر من عشر سنوات، أولئك الذين سُلبت ممتلكاتهم ودُمرت منازلهم وسُرقت قطعانهم واغتصبت نساؤهم.
هل تعلمون لماذا سيكون هناك فوضى؟ لأنه، أولاً، في أفريقيا، عندما غادر المستعمرون، رسموا خرائط بمسطرة، وقطعوا الأماكن التي تعيش فيها المجموعات العرقية إلى نصفين، إلى ثلاثة أو أربعة أجزاء. كما نرى الآن الوضع مع الطوارق الذين يعيشون على جانبي الحدود بين الجزائر ومالي. هناك عدد كبير جدًا من الأمثلة على ذلك: التوتسي، والهوتو ...إلخ. نعم، لقد تركوا مثل هذا الإرث.
لقد قرر الاتحاد الأفريقي بحكمته أنه الآن بحاجة فقط إلى العيش داخل هذه الحدود، والتوصل إلى اتفاق بطريقة أو بأخرى، وصياغة آليات ضمن إطار حسن الجوار حتى يتمكن الأقارب من عبور الحدود. كما كان الحال معنا ومع جيراننا.
سؤال: كل هذه القبائل الأفريقية ستعلن حقها في تقرير المصير. وسوف تبدأ قريباً حروب لا نهاية لها.
سيرغي لافروف: أقول لكم إن الاتحاد الأفريقي، بحكمته، قرر عدم المساس بهذا الإرث المخزي للمستعمرين، مدركاً تماماً أنه في هذه الحالة سوف يتم إراقة المزيد من الدماء. وفي الغالبية العظمى من الحالات، لا أحد يطالب بتغيير هذه الحدود.
سؤال: إذاً هم يركزون على النقطة الأخرى؟
سيرغي لافروف: أفهم أنكم تحبذون المنطق الذي تدافعون عنه. هم ينطلقون من حقيقة أنهم طبّقوا بند حق الشعوب في تقرير المصير في ظل الظروف التي كانت موجودة في ذلك الوقت.
واستناداً إلى حكمتهم في هذا المجال فإنهم لا يريدون التشكيك في هذه الحدود. على الرغم من أن المسار الطبيعي للأمور (هناك تعيش القبائل) يرتبط بحقيقة أنه في بعض الأحيان تحدث "مناوشات" مختلفة. إذا تحدثنا عن حقيقة أن حق الشعوب في تقرير المصير يعني الآن دعوة إلى الفوضى، فإن الشخصيات الأكثر نفوذاً في العالم، المسموح لهم بفعل أي شيء، والذين تتحدث عنهم على ما يبدو، لا يعتقدون ذلك.
مثال كوسوفو. كان هناك لا مبالاة بوحدة أراضي يوغوسلافيا. وفي الوقت نفسه، لم تشهد المنطقة المحيطة بهذا الجزء من صربيا أي نشاط عسكري عندما تم الإعلان الأحادي الجانب عن استقلال المنطقة. ولم يكن هناك أي تهديد لسكان كوسوفو مما يضطرهم لطلب المساعدة من أجل إنقاذهم منه. وأكثر من ذلك بكثير، حتى قبل أن تعلن كوسوفو استقلالها، تم التوقيع على قرار. إذ قرّر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنه يجب أن تكون هناك شرطة صربية، وأنه يجب أن تكون هناك حرس حدود صربيون على الحدود الخارجية لكوسوفو، لكن لم يهتموا بهذا الأمر. إنهم ببساطة اتخذوا مسار الانفصال، علماً أنه لم يكن هناك أي استفتاء في كوسوفو. كان هناك الرئيس الفنلندي السابق المخلوع أهتيساري ممثل الأمم المتحدة، وقف وقال ببساطة إن كوسوفو أصبحت الآن مستقلة، من دون استفتاء ولا شيء آخر. قال له الأميركيون "يجب أن يتم ذلك" - ففعل ذلك.
أما إذا ما تساءلنا عن كيفية تحقيق حق تقرير المصير في شبه جزيرة القرم؟ أقول أنه تم إعطاء الفرصة لإجراء استفتاء بحرية، حيث حضر عدة مئات من المراقبين. نعم، إنهم لم يمثلوا الحكومات الغربية، ولكنهم مثلوا البرلمانات الغربية وبرلمانات بلدان في قارات أخرى. وقتئذ قال الغرب عن أي حق تقرير المصير يدور الحديث؟ لا، لا يحق لنا، لأننا نحن من الشعوب السلافية وهم ألبان.
تُعرض اليوم العديد من الأفلام الوثائقية عن تاريخ الحرب الوطنية العظمى. إن هذا الجوهر العنصري يذكرنا بكيفية معاملة "العرق الآري" للشعب السلافي نفسه. والآن أشاهد كيف تتطور الأحداث. للأسف مازالت هذه المعاملة ولم تختف. خير دليل على ذلك استمعوا إلى فريدريخ ميرتس نفسه.
عندما كنت أتحدث مع زملائي الألمان قبل ثماني أو عشر سنوات، حول مختلف المواضيع الجيوسياسية العامة، كانوا يرسلون "إشارة". هل تعلمون ما معنى هذه الإشارة؟ يقولون إنهم قاموا بتصفية حساباتهم معنا ومع الجميع منذ زمن طويل، ومن المفترض أنهم لم يعودوا مدينين لأحد بشيء، وسوف يتصرفون كما يحلوا لهم.
هناك تساؤل محدد من نفس "الأوبرا". لقد حصل الناجون من حصار لينينغراد، والحديث يدور عن اليهود، على مبالغ مالية لمرة واحدة من الحكومة الألمانية عدة مرات. في حين طرحنا العديد من الأسئلة (وهذه القصة مستمرة منذ خمسة عشر عامًا): ماذا نفعل مع أولئك الذين، عانوا مع اليهود، وتجمّدوا حتى الموت في ظروف رهيبة، وحملوا أطفالهم على الزلاجات عبر الجليد، وأكلوا بعضهم بعضًا؟ هؤلاء نجوا أيضًا، تمامًا مثل اليهود. ألا يستحقون أن يتم التعامل معهم على قدم المساواة؟
في ذلك الوقت، أخبرني الرئيس الألماني الحالي، فريدريك فيليب شتاينماير (كان حينها وزيراً للخارجية) أن الألمان لديهم قانون منفصل بشأن اليهود (الهولوكوست)، وأن الأشخاص الذين نجوا من الحصار كانوا مشاركين عاديين في الحرب. في إشارة إلى إنه لا توجد مدفوعات لمرة واحدة لهم، وأن الألمان دفعوا التعويض بالفعل. أقول: "عذراً، ولكن مع ذلك، إذا كان هذا جزءًا من المحرقة، فهو ينطبق على كل من نجوا من الحصار. إنهم جزء من المحرقة ليس لمجرد كونهم يهودًا، بل لأنهم تعرضوا للسخرية واستُهزِئ بهم بهذه الطريقة". يأتي الرد بشكل قاطع "لا". ويقول دعونا نبني منشأة مثل "مستشفى" في سانت بطرسبرغ وننشئ مركزًا للقاء بين المشاركين في الحرب - "للمصالحة". نقول: "حسنًا. ربما ليس هذا سيئًا، ولكنه ليس الأهم. الأهم هو ألا يُظهروا مواقف عنصرية تجاه الناجين من الحصار". يأتي الرد بشكل قاطع "لا".
لقد أوضحنا لهم بالفعل أنه إذا أرادوا بناء شيء ما في سانت بطرسبرغ، فليفعلوا ذلك. لكن الناجين من الحصار يعيشون في كل أنحاء العالم، ليس فقط في المدن الروسية، بل أيضاً في العديد من المدن الأخرى. يأتي الرد بشكل قاطع "لا". وهذا واضح الآن من خلال تصريحات فريدريخ ميرتس وفي أشياء أخرى كثيرة. إنه أمر محزن.
بالنسبة لنا، فإن مصير الناس له أهمية كبيرة، بطبيعة الحال. والقول بأنه لا يمكن انتهاك وحدة أراضي أوكرانيا هذا يعني إعادة الروس والناطقين بالروسية، الذين فروا من النظام النازي، إلى براثن هؤلاء "الوحوش".
لقد بدأنا حديثنا من حقيقة أن الأميركيين يفهمون الأسباب الجذرية. أحد هذه الأسباب هو نهج الروسوفوبيا بشكل مطلق، والذي تم ترسيخه في القانون. وبالتوازي مع ذلك، في سياق بدء الأميركيين في "اكتشاف" هذه الأسباب الجذرية، يتم بالفعل الحديث خلال المناقشات حول الأراضي. إذ أشار ستيف ويتكوف إلى أنه كان هناك استفتاءات في أربع مناطق، وبالتالي يجب الاعتراف بذلك.
بدوره أشار كيت كيلوغ (الممثل الخاص للرئيس ترامب أيضًا) إلى إن هناك الكثير من الحديث الآن عن قوات حفظ السلام، التي يتعين نشرها في الجزء الذي يقع وراء نهر الدنيبر، وهذا يعني أنه حتى نهر الدنيبر يجب علينا أن "نقبل" ولن تخضع تلك المناطق لمبدأ وحدة الأراضي. وسوف يكون هناك، أو بالأحرى كان هناك بالفعل، استفتاء حول تقرير مصير الشعب. هو يقترح إنشاء "مناطق مسؤولية" على الضفة اليمنى لنهر دنيبر، أشبه ببرلين، كما كانت الحال بعد الحرب العالمية الثانية. لكن النتيجة أنه كان هناك ضجيج وصراخ..
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقومان بنشر فكرة قوات حفظ السلام هذه، ويدعوان لاجتماعات ضمن إطار "تحالف الراغبين". وبالفعل فقد أعلنت بلدان البلطيق ولاءها لهذه الفكرة. بالطبع، لا يمكن التحرك من دونهم.
لكن أغلب دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تعبر عن عدم الرضى تجاه هذا الأمر. هم يقولون أنه من الجيد أن يكون هناك نوع من خط التماس، في إشارة منهم إلى أن الشيء الرئيسي هو وقف الصراع. لكنهم ما زالوا يؤجلون التوصل إلى تسوية سياسية إلى وقت لاحق.
وهنا تأتي الأسئلة التي طرحها رئيسنا: ماذا ستفعلون إلى حين يتم الإعلان عن هذه الهدنة افتراضياً، من دون التوصل إلى تسوية دائمة؟ هل ستبدأون في عملية التسليح وتقدمون المساعدة في زج الأوكرانيين الفقراء بالقوة ضمن صفوف الجيش، الذين يتم مطاردتهم و"سحبهم" من المراحيض أمام أمهاتهم، ووضعهم في مركبات تابعة لشعب التجنيد الأوكرانية؟
لقد صرح فلاديمير زيلينسكي إنهم لا يحتاجون إلى قوات حفظ سلام، بل إلى وحدات قتالية. "شخص واضح وصريح". لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتلاعبان بالكلمات. والآن توصلوا إلى ابتكار ما يسمى "قوى المقاومة". وهذا يعني أنه من أجل الحفاظ على روح "المقاومة" في أوكرانيا، فإنهم لن يضعوا في الخلف بعد الآن مفارز الحفاظ على الانضباط العسكري التي اعتاد عليها الجيش الأوكراني، بل أفراداً عسكريين "متحضرين" من الدول الغربية. والسؤال ماذا سيحرسون؟ هل سيتم حراسة النظام نفسه؟ لأنه لا أحد يذكر موضوع الانتخابات حتى الآن.
حالياً يصرح الأميركيون بأنه يجب إجراء الانتخابات. ولكن أوروبا ستبذل كل ما في وسعها لضمان عدم تغير النظام من حيث الجوهر. وربما يجدون "نصف فوهرر جديد" يكون أقل اعتمادًا على "الحركات الجوهرية" المختلفة، لكن جوهر النظام سيبقى قائمًا.
أطرح في مختلف الفعاليات التي أشارك فيها بعض الأسئلة ذات الصلة (هذا ما تساءلت عنه قبل أيام قليلة في أنطاليا): عندما تدركون حتمية الحفاظ على أوكرانيا داخل حدودها "المقطوعة" فعلياً، كيف ترون نظام كييف في أوكرانيا "المقطوعة" هذه؟ هل ستجبرونه على إلغاء القوانين التي تحظر اللغة الروسية في كل مكان؟ علماً أن هذا الأمر غير موجود في أي مكان آخر. مع الاشارة إلى إن إسرائيل لم تحظر اللغة العربية حتى في أكثر أوقات احتلالها وحشية للأراضي الفلسطينية، ولا يزال هذا الأمر مستمراً حتى يومنا هذا. لكن هذا هو الحال بالنسبة للسلطة الأوكرانية، التي يمكنها القيام بذلك بهذه الطريقة.
بدلاً من "الهسهسة" في وجه "هذه الحالة"، في وجه هذا "المخلوق" (تذكّروا كيف يصف الروس)، تعلن أورسولا فون دير لاين بشكل مثير للشفقة أنه من الضروري تقديم "آخر خيط" و"آخر بندقية" و"آخر رصاصة" (على فكرة لن تضر الرصاصة الأخيرة فلاديمير زيلينسكي)، إعطاء "كل شيء حتى النهاية" - فقط حتى يتمكن من هزيمة الروس، لأن فلاديمير زيلينسكي وجيشه يدافعون عن "القيم الأوروبية". وهذا لا يقابل بالرفض من أي أحد في أوروبا.
لذلك، فإن كل هذه "المخططات" المتعلقة بقوات حفظ السلام التي يضعها "ماكرون" و"ستارمرز" تنطلق من حقيقة أن هذا مطلوب من أجل الحفاظ على قطعة أرض على الأقل، والتي سيبقى عليها النظام النازي المعادي لروسيا بشكل علني، والذي يهدف إلى إعداد حرب أخرى ضد روسيا (كما حدث مع اتفاقيات مينسك). وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لصيت الغرب وسمعته.
سؤال: على مدى السنوات الماضية، كنت أنت وفلاديمير بوتين تؤكّدان من خلال كلماتكم على عدم موثوقية الشركاء الغربيين في المفاوضات من هذا النوع. لا بل أكثر من ذلك، فإنهم في نهاية المطاف أكّدوا على عدم موثوقيتهم.
سيرغي لافروف: لقد أكّدنا على ذلك، وهم أثبتوا ذلك.
سؤال: واعترفوا أيضاً بصراحة. ما هو وجه الاختلاف بين المفاوضات الحالية والمفاوضات السابقة؟ لماذا يمكن أن نثق بهم الآن؟ هل تعتقد أنه يمكن تفسير هذا بأي شكل من الأشكال من وجهة نظر المنطق السليم وحسن التقدير؟
سيرغي لافروف: المنطق السليم يكمن في أمر واحد فقط. وهذا، بالمناسبة، هو شعار دونالد ترامب. يقول دائمًا أنه يسترشد من المنطق السليم. وهذا واضح في شيء واحد فقط، وهو أن أشخاصاً جاءوا وقالوا لنا: أنتم ونحن لدينا الكثير من المشاكل والتناقضات، ولكن هذا عته وغباء ورثناه من الإدارة السابقة، وهو أننا لا نتحدث معكم. أعتقد (وقد تحدثت عن هذا بالفعل) أن هذه هي الحالة الطبيعية، الحالة الطبيعية الإنسانية، والتي لن "نبتعد عنها". لا بل أعتقد أن هذا أمر مهم.
سأخبركم أنه مع مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف عندما التقينا في الرياض مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي مايكل والتز (لأنهم دعونا إلى هناك)، بدأوا "بالغناء" وكانت "أغنيتهم" من النوع الذي يشير إلى أن المنطق السليم أمر مهم بالنسبة للرئيس دونالد ترامب.
إن السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب هي سياسة المصالح الوطنية الأمريكية. لكن هو في الوقت نفسه، يعترف بأن البلدان الأخرى (وخاصة القوى الكبرى) لديها أيضًا مصالحها الوطنية الخاصة، والتي لا تتوافق دائمًا، وفي معظم الحالات، بصراحة، مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة، ولكن (والأهم من ذلك) أن روسيا والولايات المتحدة وأي دولة أخرى مهمة كلاعبين دوليين مسؤولين في تلك المواقف (هي الغالبية) عندما لا تتوافق المصالح الوطنية لكل منهم، ملزمة ببذل كل ما في وسعها لضمان عدم تحول هذا التناقض إلى مواجهة. في تلك الحالات (حتى لو كان عددها أقل) عندما تتطابق هذه المصالح، فإننا ملزمون ببذل كل ما في وسعنا حتى لا نفوت هذه الفرصة، والعمل على ترجمة هذا التطابق إلى مشاريع مادية واقتصادية وتكنولوجية ونقلية ولوجستية مبنية على المنفعة المتبادلة للطرفين.
أعتقد أن هذا أمر عملي ويستحق الحديث عنه. لا أعلم ماذا سيحدث بعد أربع سنوات، عندما تأتي إدارة أخرى. على سبيل المثال يقولون لنا: دعونا نشتري طائرات من طراز بوينغ مرة أخرى. وماذا بعد؟ من يدري كيف ستؤول إليه الأمور بعد أربع سنوات. هل ستتوقف هذه الطائرات عن التحليق مرة أخرى، هل سنقوم بتفكيكها لتصبح قطع تبديل؟ ربما تكون فترة الأربع سنوات طويلة جدًا.
يكتب خبراء السياسة في أوروبا وفي روسيا، أنه لم يتبق سوى عام ونصف العام إلى حين الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، حيث سيبذل الحزب الديمقراطي "أقصى ما في وسعه" لعدم وجود أغلبية هناك. لكن هذا كله مجرد تخمين وبمثابة قراءة الفنجان.
حالياً، عندما تُعرض علينا "صفقات" عادية (كما يقول دونالد ترامب)، فإننا ننظر إليها بالمعنى الجيد لهذه الكلمة. نحن ندرك تمامًا كيف تبدو الصفقة المبنية على المنفعة المتبادلة، والتي لم نرفضها أبدًا، وكيف تبدو الصفقة التي قد تقودنا إلى "فخ" آخر.
إن الرأي السائد في طبقتنا السياسية يكمن في أننا لا يجب أن نسمح لأنفسنا تحت أي ظرف من الظروف في أن تؤدي أي استعادة للعلاقات في الاقتصاد وفي المجالات الأخرى مرة أخرى إلى اعتمادنا على ما يسمى "بقطع الغيار" في جميع المجالات التي يعتمد عليها مستوى رفاهية ومكانة دولتنا. والحديث يدور عن الأمن الغذائي والتكنولوجي والعسكري. هذا الدرس، أنا مقتنع بنسبة 100٪، لن يُنسى. ولم يكن من قبيل الصدفة أن صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ذروة العملية العسكرية الخاصة، بأننا تعلّمنا من دروسنا وأن الأمور لن تعود أبدًا إلى ما كانت عليه قبل فبراير/شباط 2022.
هذا يعني أننا بذلنا قصارى جهدنا لإيجاد حل وسط يتوافق مع تلك القواعد. اقترحنا صياغة اتفاقيات رسمية بشأن الضمانات الأمنية التي وجدناها مقبولة - اقترحنا معاهدة محددة بعد خطاب [فلاديمير بوتين] في ميونيخ عام ٢٠٠٨، لكن الناتو والولايات المتحدة رفضاها.
لقد تم في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، تقديم اقتراح معاهدتين إضافيتين لضمان أمن روسيا وأوروبا وأوكرانيا من دون توسع حلف شمال الأطلسي، لكن تم تجاهلنا. حينها أخبرني وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك إنتوني بلينكن في يناير/كانون الثاني 2022 أن روسيا لا ينبغي أن "تتدخل" في مواضيع تخص الناتو. بمعنى أن الأمر لا يعنيك، وأنهم قد يفكرون في الموافقة على الحد من عدد الصواريخ متوسطة المدى المنتشرة على الأراضي الأوكرانية (المحظورة بموجب المعاهدة)، والتي انسحبت منها الولايات المتحدة. هذا كل شيء، هذا هو "التنازل". ولكن بعد تقديم مسودة المعاهدتين في ديسمبر/كانون الأول 2021، بناءً على توجيهات الرئيس (بعد خطاب ألقاه في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في وزارة الخارجية الروسية)، كان يأمل حتى النهاية أن نتمكن من إقناعهم بالطبيعة الكارثية المطلقة للسيناريو الذي ينطوي على جر أوكرانيا بغباء للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
نحن نعلم أنه حتى قبل عام 2014 كانت هناك خطط لإنشاء قواعد في شبه جزيرة القرم. لكن بعد ذلك تم إغلاق قضية شبه جزيرة القرم. لكن البريطانيين كانوا يعتزمون إنشاء قواعد بحرية وأكثر من ذلك بكثير على بحر آزوف. وبالتالي فإن كلمات الرئيس فلاديمير بوتين بأن الطريقة التي كانت عليها الأمور قبل فبراير/شباط 2022 لن تكون كذلك بعد الآن تعني أنه كان يعوّل حتى آخر لحظة على المنطق السليم.
والآن ظهر المنطق السليم في البيت الأبيض... سوف نرى.
سؤال: ماذا سيحدث بعد انتهاء معاهدة ستارت الجديدة في فبراير/شباط 2026؟ ماذا تعتقدون، إذ أنه ربما لن يكون لديكم الوقت لصياغة معاهدة بديلة عنها؟ هل نحن أمام سباق تسلح؟
سيرغي لافروف: ما هو الداعي لذلك؟ لقد أكد الرئيس فلاديمير بوتين إننا لن نشارك مرة أخرى في سباق تسلح.
سؤال: هل ستكون هناك سياسة "ضبط النفس" من جانب واحد؟
سيرغي لافروف: لماذا؟ لدينا سياستنا الخاصة، ونحن نعرف كيف نضمن القدرة الدفاعية لدولتنا في حال لم يتغير الوضع الاستراتيجي في العالم.
رغم تطبيع العلاقات مع الأميركيين، إلا أنه ما من أحد يتوقف عن إعلان روسيا خصماً في وثائق العقيدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي، في حين يواصل المسؤولون الرسميون إعلان روسيا عدواً. هذا الأمر لا يتوقف أبدًا.
من الاستحالة بمكان "انتزاع" شيء ما من معاهدة ستارت 3 (وكذلك من ميثاق الأمم المتحدة). على سبيل المثال نحن نريد زيارة منشآتكم النووية للتفتيش، هذا الأمر سوف يمس مبدأ حماية وحدة الأراضي. الوثيقة تنص على أمر آخر. في بداية الوثيقة ذكرنا أننا تمكّنا من التوصل إلى هذه الاتفاقية لأننا نحترم بعضنا البعض، ونحن نؤيد الأمن المبني على المساواة ونعترف بالعلاقة بين الأنظمة الهجومية والدفاعية الاستراتيجية. لقد تم اختراق هذه العلاقة منذ فترة طويلة بسبب انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى. وقبل ذلك انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية. ومنذ ذلك الحين، بدأ الأميركيون في إنشاء أنظمة دفاع صاروخية مضادة للصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، والتي يتم نشرها في جميع أنحاء العالم: في أوروبا، وفي جنوب شرق آسيا، وعلى طول محيط حدود روسيا والصين.
اقترحت إدارة ترامب عقد لقاء ثلاثي مع الصين بشأن هذه القضية. هم لا يقدمون لنا أي شيء، وبالتالي لن نقدم أي شيء لأي أحد أيضًا. لأننا لم نكن نحن من دمّر أدوات التحكم بالأسلحة ومعاهدة ستارت 3. لقد تخلّت إدارة جو بايدن عن المبادئ الأساسية التي لولاها لما كان من الممكن أن صياغة المعاهدة. ولم تعد إدارة ترامب إلى هذه المبادئ بعد، على الرغم من استمرار الحوار حول العديد من القضايا.
نحن نتمتع بالاكتفاء الذاتي ولدينا كل شئ، ونحن نعلم كيفية ضمان قدرتنا الدفاعية. إذا كانوا يشعرون بأن ترساناتهم النووية أصبحت قديمة للغاية وتستمر في التقادم على خلفية أسلحتنا الحديثة، فإنهم على الأرجح مهتمون بتصحيح هذا "التناقض" بطريقة أو بأخرى. ولم نتلق أي مقترحات من هذا القبيل.
آخر مرة "طلب" فيها الرئيس جو بايدن آنذاك تفتيش المنشآت النووية، والتي تم في ذلك الوقت إطلاق طائرات مسيّرة أوكرانية من صنع أمريكي. في هذا الصدد أشارت إدارة ترامب إنها مهتمة بمناقشة العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، لكن الصين ليست مهتمة بهذا. في حين لم نتلق أي مقترحات ثنائية. وفي حال تلقينا فسوف نشرح بطبيعة الحال كيف نرى المحادثات والمفاوضات المبنية على مبدأ المساواة حقاً بشأن كيفية ضمان الاستقرار الاستراتيجي. ولكن هذا الطريق مازال طويلاً. نحن لسنا في "عجلة" من أمرنا ولن نترجى أحد "للجلوس والتحدث هنا أو هناك". نحن لم نقم بتعطيل العملية في أي من مكوناتها (الاقتصادية، الدفاعية، الدفاع الصاروخي، معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى...الخ).
لقد أكد الرئيس فلاديمير بوتين مراراً وتكراراً أننا لا نريد أن نفرض أنفسنا. إذا كنت لا تحب التحدث معنا، فإننا سوف نتصرف وفقًا لذلك ونستخلص النتائج. إذا كنت تريد العودة، فأخبرنا بما تريد أن تأتي به إلينا، وسنرى إذا كان يناسبنا أم لا.
هنا اقترح الأميركيون الحوار بشأن الأزمة الأوكرانية، وها نحن نتحدث ونشرح موقفنا. وبنفس الطريقة اقترحوا حواراً حول تطبيع عمل السفارات، ونحن نؤيد ذلك.
سؤال: متى سيبدأ عمل السفارة الأمريكية في موسكو؟ متى سيكون من الممكن الحصول على التأشيرة الأمريكية في موسكو؟
سيرغي لافروف: متى سيتم زيادة عدد نسخ صحيفة "كوميرسانت"؟ ما بك، هل تريد تنفيذ مرة أخرى "الخطة الخمسية" خلال ثلاث سنوات؟ لك الحق في التعبير عن رغبتك في تحقيق ذلك، لكن هذا لن يحصل أبدًا.
القضية تكمن في أن أي عملية لا يمكن ربطها بتاريخ محدد.
حالياً يقولون أنه ينبغي أن يكون هناك سلام في عيد الفصح. والسؤال لماذا؟ تبين لأن رئيس فنلندا ألكسندر ستوب، يعتقد أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله. علماً أنه صرّح بذلك بعد أن لعب الغولف في مار إيه لاغو. ثم قال نعم روسيا جارتنا والحدود بيننا تمتد لأكثر من ألف كيلومتر ولذلك عليهم أن "يستعيدوا عافيتهم". لكن قبل ذلك بثلاثة أيام، وبتعبير "وحشي" ظهر على وجهه، طالب "بخروج روسيا"، وأن بلاده لن تنسى كيف أن روسيا انتزعت منهم آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي. إذاً هذا هو ما يقلق السيد ألكسندر ستوب، وليس حقيقة أنهم عاشوا معنا، وأنهم حصلوا على الاستقلال منّا، وأنهم قيل لهم لماذا نحتاج إلى نقل الحدود بعيدًا عن لينينغراد. تبين أنهم "نسوا" كل هذا. بما في ذلك كيف كان قادتهم يستمتعون بالبخار في الساونا مع زملائهم السوفييت والروس، وكيف لعب بعضهم الهوكي. ثم فجأة قالوا إن "روسيا انتهكت كل شيء في العالم" بإدخال قواتها في إطار العملية العسكرية الخاصة، و"انكشفت الحقيقة". وقالوا على الفور - "أعطونا" أراضينا.
لذلك، عندما يقول فجأة أشخاص مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اعتاد أن يشتمنا بأبشع الكلمات، أنه سيتعين علينا في يوم من الأيام التحدث وربما سيكون "المفاوض" الرئيسي من أوروبا. أو الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، الذي صاح بأن شعبه مستاء من انتزاع قطعة من أراضيه، وأن روسيا معتدية، وها هو يقول إننا في يوم من الأيام سوف "نعود إلى الوضع الطبيعي". إذا كان هؤلاء الناس يعتقدون أنهم سيتصرفون الآن بهذه الطريقة ثم يريدون فجأة أو يدركون أنهم بحاجة ماسة إلى "تطبيع" العلاقات بطريقة أو بأخرى، فإننا في هذه الحالة سوف نفكر - هل حان الوقت أم لا، وما هي الشروط التي سيتم خلالها "تطبيع" هذه العلاقات. حقًا كما يقال في روسيا "لا أحد يُنسى، ولن يتم نسيان أي شيء" بكل ما تعني هذه العبارة من معنى.
سؤال: نفهم من كلماتكم أن موسكو تؤمن بقدرة الجانب الأمريكي على التوصل إلى اتفاق وبدور الأمريكيين كوسطاء في الصراع الأوكراني. وقد تم بالفعل التوصل إلى اتفاقيتين بوساطة الأميركيين - بشأن الملاحة الآمنة في البحر الأسود، ووقف الهجمات على منشآت البنية التحتية للطاقة. كما نرى، لا الاتفاقية الأولى ولا الثانية تعملان بشكل كامل. كيف يمكنكم التعليق على هذا؟
سيرغي لافروف: لا توجد مثل هذه الاتفاقيات.
في 18 مارس/آذار من هذا العام، عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مكالمة هاتفية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا... وقال ترامب إنه يفهم سبب عدم وضوح كيفية تنظيم الهدنة في الوقت الحالي.
تتذكرون خلال المؤتمر الصحفي مع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، تحدث رئيس روسيا فلاديمير بوتين عن رد فعلنا على فكرة الهدنة العامة لمدة ثلاثين يوما؟ كيف سيبدو الأمر؟ هل سيتم استخدامها لضخ أسلحة جديدة، وتعبئة عشرات الآلاف من الناس بالقوة (لا أعرف عدد الأشخاص الذين كان من الممكن "جمعهم معًا")، وكيف يمكن ضمان التعرف على المخالفين على الفور؟ معرفة منّا كيف تحب أوكرانيا ممارسة الكذب. ولهذا السبب اقترح ترامب فرض حظر لمدة ثلاثين يومًا على استهداف منشآت الطاقة.
الجدير بالذكر أن الرئيس فلاديمير بوتين وافق على الفور. حتى أنه خلال المحادثة، أصدر الأمر بتطبيق هذا الحظر لمدة ثلاثين يومًا. في هذه اللحظة اتضح أنه كانت هناك سبع طائرات مسيّرة تابعة لنا انطلقت بالفعل لضرب منشآت الطاقة الأوكرانية، وبالتالي قمنا بإسقاطها.
والشيء الثاني الذي قاله دونالد ترامب هو أنه دعا ليجتمع الناس حول "مبادرة البحر الأسود"، في إشارة للحاجة إلى استئناف أنشطتها. وبالفعل اجتمع الناس واتفقوا على خمس نقاط قام الأميركيون بتوزيعها. بدورنا قمنا بتوزيع ملحق لهذه النقاط الخمس، وخاصة الفقرة التي تقول إن الأميركيين سوف يسهلون استئناف الصادرات الروسية العادية من الحبوب والأسمدة من حيث تكلفة التأمين، وزيارات الموانئ، وتزويد السفن بالوقود. بشكل عام الحديث يدور عن الأمور العملية.
وهذا بالضبط ما كان ينبغي للأمين العام للأمم المتحدة أن يفعله قبل ثلاث سنوات، عندما تم التوقيع على "صفقة البحر الأسود" الأولى في جزأين: نصف "الحزمة" - الحبوب الأوكرانية، ونصف "الحزمة" الثاني - الحبوب والأسمدة من روسيا الاتحادية. في هذا الإطار أكد غوتيريش التزامه بإزالة العقبات التي تعترض تصدير منتجاتنا الزراعية والأسمدة والحبوب، لكن لم يفعل ذلك. لهذا وبعد أن علمنا أنه لم يفعل شيئًا، كنّا على الرغم من كل شيء نبيع على مدى ثلاث سنوات، ولدينا القدرة، لكننا نستخدم طرقًا أخرى فقط. ومع ذلك لا يزال هناك القليل من الحبوب والأسمدة في السوق، وهي ما تحتاج إليه البلدان الفقيرة حتى تتمكن من تنظيم إنتاجها الغذائي بطريقة ما والحصول على المساعدات الإنسانية منّا.
ولهذا السبب قلنا بصراحة إنه من الرائع أن الولايات المتحدة الآن، تماماً كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل ثلاث سنوات، تطوعت لتسهيل الصادرات الروسية من خلال إزالة العقبات. وقد عبّر الأميركيون الآن عن استعداداتهم ذاتها. ولكن، مع معرفتنا كيف تحطمت "آمال" الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد قلنا بصراحة إنه إذا أعربت الولايات المتحدة عن استعدادها للمساعدة، فهذا ما يجب القيام به حتى لا يتكرر الموقف، عندما تم الترحيب بتلك الصفقة وأثارت حينها "ضجة" كبيرة، لكن تبين بعد ذلك من وجهة نظر الصادرات الروسية أنها "فشلت".
من حيث المبدأ، نحن نعبر عن إصرارنا من أجل التحقق من صدقية جيراننا الأوكرانيين عندما نناقش مع الغرب أي مخططات يروجون لها، رغبة منهم فيما يسمى "تعزيز التسوية". أود أن أسرد مثالين واضحين للعيان. تحدثنا عن كيف تم حرق ما يقرب من 50 شخصًا حتى الموت في مبنى النقابات العمالية بتاريخ 2 أيار/مايو 2014. في ذلك الوقت أعلنت أوكرانيا (الرئيس آنذاك كان بيوتر بوروشينكو) إنها ستحقق في الأمر. لا أحد يحقق في أي شيء. علماً أن المجلس الأوروبي، الذي تطوع بعد عام من المأساة للمساعدة في التحقيق، عندما كنّا لا نزال أعضاء فيه، اتخذ بعض القرارات المتواضعة. في تنويه إلى إنهم مستعدون لتقديم الخدمات للحكومة الأوكرانية في التحقيق في هذه المأساة الفظيعة. لكن شيئًا فشيئًا (كما نقول بين الناس) "تنصّل". لقد نسي الجميع ذلك ولم يتذكره أحد، على الرغم من وجود الكثير من لقطات الفيديو لأولئك الذين أشعلوا النيران، والذين أطلقوا النار على الأشخاص الذين يقفزون من النوافذ، لا أحد مهتم بهذا.
ولكن بالنسبة لي فإن المثال الأكثر إثارة للدهشة هو بوتشا. المكان الذي انسحبت منه وحداتنا كبادرة "حسن نية" بعد يومين في نهاية مارس/آذار 2022 قبل إبرام اتفاقيات إسطنبول، التي منع بوريس جونسون الأوكرانيين في النهاية من التوقيع عليها.
لم يكن هناك أحد في بوتشا لمدة يومين باستثناء السلطات المحلية. حيث كان رئيس بلدية المدينة يتصور ويتحدث أمام كاميرات هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وقال إنهم استعادوا السيطرة على وطنهم الصغير. وبعد يومين، فجأة شاهدنا ضجة إعلامية، حيث عرضت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) نفسها، عشرات الجثث ليس في الأقبية أو الأماكن الخفية، بل في شارع مركزي واسع، ملقاة بشكل أنيق على جانب الطريق. وأعلنوا على الفور أن هذه هي "وحشية روسيا"، وأننا بذلك انتقمنا من الشعب الأوكراني. على إثر ذلك فرض الاتحاد الأوروبي والأميركيون وموظفو إدارة جو بايدن العقوبات. كل هذا استمر لمدة ثلاثة أو أربعة أيام: "روسيا وحش"...
ومنذ ذلك الحين، نحاول نحن وأنا شخصياً، الحصول على أسماء الأشخاص الذين تم عرض جثثهم بكل هذه الأبهة على قناة بي بي سي، ثم على جميع القنوات الأخرى. أذكر أنني عندما كنت في نيويورك في الجمعية العامة للأمم المتحدة مرتين، أشارك في اجتماعات مجلس الأمن الدولي، سألت أنطونيو غوتيريش، الذي كان يجلس أمامي على الطاولة المستديرة، وجهاً لوجه عمّا إذا كان من الممكن تقديم المساعدة. لأن ما من أحد يقدم هذه المساعدة. لقد تم اتهامنا. حسنًا، يجري تحقيق هناك. أخبرنا بالأسماء. نحن لم نعد نأمل، فقط نريد أن نرى مدى "التزامك". استدار أنطونيو غوتيريش وشعر بالحرج. ثم قال لي وجهاً لوجه إنه على أساس هذا ليس مجال اختصاصه.
أجبت: على مهلك، ولكن هناك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث تم إنشاء شيء ما يشبه "بعثة حقوق الإنسان المستقلة في أوكرانيا"، في انتهاك للإجراءات المعتمدة. هذه البعثة بالنسبة لنا غير شرعية، لكنهه موجودة. قمنا بإرسال كتاب رسمي إلى مجلس حقوق الإنسان متسائلين: هل نستطيع أن نفهم ماذا حدث هناك؟ لقد مضى ثلاث سنوات على ما يسمى أحداث بوتشا، على الأقل أخبرونا بالأسماء. لا أحد يرد على هذه الوثيقة الرسمية.
عندما أكون في نيويورك، أغتنم الفرصة لعقد مؤتمرات صحفية هناك، حيث أخبر كل من هو معتمد لدى الأمم المتحدة (بي بي سي، سي إن إن وغيرهما) وأقول بأنهم صحفيون، ولديهم قسم في الصحافة يطلق عليه "الصحافة الاستقصائية". الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتجنب الإجابة، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يتجنب الإجابة. هل يمكن للصحفيين أن يكتبوا طلبًا محددًا للأمم المتحدة؟ لا أحد يفعل شيئاً.
لذلك الوضع واضح بالنسبة لي. وأنا أفهم أيضًا مدى خطورة تقرير مصير الشعوب. لكن الأمر ليس خطيراً على الاطلاق.
إن الفاشيين يستولون على أراضٍ لم تكن ملكًا لأحد سوى الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي، ويفعلون هناك أشياءً مقززة للغاية، ويحاولون تقديم بعض "العروض" لنا.
"فجأة" يتذكرون ما يسمى مذكرة بودابست. هذه المذكرة لا تنص على أي شيء يشير إلى ضرورة "الانحناء" أمام انقلاب غير دستوري جلب عنصريين، وكارهين حقيقيين لروسيا، إلى السلطة. عندما يتحدثون عن حدود عام 1991، فقد نشأت نتيجة "طلاق" اتفاقية بيلوفيجسكايا ثم إعلان ألماتا بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، استناداً إلى الظروف التي كانت قائمة في ذلك الوقت. وكان أحد الشروط الأساسية بالنسبة لنا، بالنسبة لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية، في ذلك الوقت هو إعلان استقلال أوكرانيا، الذي تم اعتماده قبل عام. وتضمن هذا الاعلان بشكل واضح أن هذه الدولة ستكون محايدة إلى الأبد، وأنها لن تنضم إلى أي تكتلات عسكرية. ثم "هاجر" هذا النص إلى دستور أوكرانيا، وهذا كان عملاً صحيحاً. وقد كُتب في دستورهم أن دولة أوكرانيا تضمن مراعاة حقوق الروس (مشار إليه بشكل منفصل) وجميع الأقليات القومية الأخرى. وعلى الرغم من كل "قوانين الغاب" التي تحدثت عنها، فقد تم الحفاظ على هذا البند في دستور أوكرانيا. ولم يبدأوا في إدراج عبارة "الانضمام إلى حلف الناتو" في الدستور إلا في وقت لاحق. لكن أكرر وأقول بأنّنا اعترفنا باستقلال أوكرانيا كدولة محايدة وصديقة وغير منحازة، حيث يتم احترام "حقوق المواطنين الروس والأقليات القومية الأخرى".