خطاب رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين في اجتماعه مع قيادة وزارة الخارجية الروسية، موسكو، 14 يونيو/ حزيران 2024
سيرغي لافروف: فلاديمير فلاديميروفيتش المحترم!
نحن سعداء دائما برؤيتكم في وزارة الخارجية. اسمحوا لي أن أرحب بكم في هذا الاجتماع نيابة عن جميع الموظفين.
بادئ ذي بدء، أود أن أعرب عن خالص امتناننا لاهتمامكم المستمر بالسلك الدبلوماسي: سواء بالنسبة لأنشطتنا المهنية أو لتزويد الوزارة وسفاراتنا وقنصلياتنا العامة بكل ما هو ضروري لإنجاز المهام الموكلة بنجاح.
وأود أيضا أن أشكر الزملاء الحاضرين هنا من إدارة الرئيس، والحكومة، والجمعية الفيدرالية، والسلطات التنفيذية.
نحن ملتزمون دائما بأوثق التعاون والتنسيق عند تنفيذ نهج السياسة الخارجية الموحد الذي حدده الرئيس والمحدد في مفهوم السياسة الخارجية.
لقد وقعتم على النسخة الأخيرة من المفهوم في مارس 2023. ونحن نعمل بنشاط على تعزيز مواقفنا على الساحة الدولية وضمان الأمن والظروف الخارجية الأكثر ملاءمة للتنمية، مسترشدين بالأهداف الاستراتيجية المنصوص عليها هناك.
وعلى سبيل الأولوية، فإننا نعمل على توسيع العلاقات مع بلدان الأغلبية العالمية والجنوب العالمي والشرق العالمي، وإعادة توزيع مواردنا المادية والبشرية وفقًا لذلك ونقلها إلى المناطق التي يكون الطلب عليها أكبر في الظروف الجيوسياسية.
وأود أيضا أن أذكر أننا نساعد بنشاط في إقامة العلاقات الدولية لشبه جزيرة القرم، وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ومنطقتي زابوروجيي وخيرسون. ولتحقيق هذه الغاية، أنشأت وزارة الخارجية مكاتب ممثليات لها في دونيتسك ولوغانسك، وعززت قدرات المكتب التمثيلي في سيمفيروبول.
وأنا على ثقة من أن اجتماع اليوم سيتيح لنا تحديد كافة مجالات عملنا العملي على الساحة الدولية.
اسمحوا لي أن أعطيكم الكلمة.
فلاديمير بوتين: شكرا جزيلا.
الزملاء المحترمون، مساء الخير.
يسعدني أن أرحب بكم جميعا وأن أعرب في بداية لقاءنا، محادثاتنا عن امتناني لعملكم النشط لصالح روسيا وشعبنا.
التقينا آخر مرة بهذا الشكل الموسع في نوفمبر 2021، ومنذ ذلك الحين، وقعت الكثير من التحولات، ودون مبالغة المصيرية، في روسيا أو في العالم. ولذلك أعتقد أنه من المهم تقييم للوضع الحالي في القضايا العالمية والإقليمية، وكذلك تحديد المهام المناسبة لوزارة الخارجية. وتهدف كل هذه المهام إلى تحقيق هدفنا الرئيسي: تهيئة الظروف الملائمة للتنمية المستدامة للبلاد، وضمان أمنها، وتحسين رفاهية الأسر الروسية.
أن العمل في هذا المجال، في الظروف القائمة الصعبة التي تتغير بسرعة، يتطلب منا جميعا أن نركز جهودنا ومبادرتنا ومثابرتنا وقدراتنا ليس فقط للاستجابة للتحديات الحالية، بل وأيضاً وضع أجندتنا الطويلة الأجل. ونقترح ونناقش في إطار مناقشة مفتوحة وبناءة سوية مع شركائنا، الحلول الممكنة للقضايا الأساسية التي لا تهمنا فحسب، بل تهم المجتمع الدولي برمته أيضا.
اسمحوا لي أن أكرر: إن العالم يتغير بسرعة. لن تعود السياسة العالمية والاقتصاد والمنافسة التكنولوجية كما كانت من قبل. وتسعى المزيد من الدول إلى تعزيز سيادتها، واكتفائها الذاتي، وهويتها الوطنية، والثقافية. إن بلدان جنوب وشرق الكرة الأرضية تكتسب أهمية متزايدة، كما يتزايد دور أفريقيا وأميركا اللاتينية. إننا ومنذ العصر السوفييتي، تحدثنا دائما عن أهمية مناطق العالم هذه، لكن اليوم ديناميكة أخرى تماما، وأصبح هذا واضحا. كما تسارعت بصورة ملحوظة وتيرة التحول في أوراسيا، حيث يجري تنفيذ العديد من مشاريع التكامل الضخمة.
وعلى أساس الواقع السياسي والاقتصادي الجديد تشكيل معالم النظام العالمي المتعدد الأقطاب والمتعدد الأطراف اليوم، وهذه عملية موضوعية. إنه يعكس التنوع الثقافي والحضاري المتأصل عضويا في الإنسان.
على الرغم من كل محاولات التوحيد المصطنع.
من المؤكد أن هذه التغييرات العميقة البنيوية تلهم التفاؤل والأمل لأن إرساء مبادئ التعددية القطبية والتعددية في الشؤون الدولية، بما في ذلك احترام القانون الدولي والتمثيل الواسع، يجعل من الممكن حل المشاكل الأكثر تعقيدا معا من أجل المنفعة المشتركة، وبناء علاقات منفعة متبادلة وتعاون بين الدول ذات السيادة من أجل رفاهية الشعوب وأمنها.
وتتوافق رؤية المستقبل هذه مع تطلعات الغالبية العظمى من البلدان. ونرى هذا، من بين أمور أخرى، في الاهتمام المتنامي بعمل رابطة عالمية مثل مجموعة بريكس، التي تقوم على ثقافة الحوار القائم على الثقة، والمساواة في السيادة بين أعضائها، واحترام البعض للبعض الآخر. وفي ظل الرئاسة الروسية لهذا العام، سنعمل على إدماج سلس لأعضاء مجموعة بريكس الجدد في الهيئات العاملة للمجموعة.
وأطلب من الحكومة ووزارة الخارجية مواصلة العمل الهادف والحوار مع الشركاء من أجل الوصول إلى قمة قازان بريكس في أكتوبر بمجموعة مهمة من القرارات المتفق عليها والتي ستحدد اتجاه تعاوننا في السياسة، والأمن، والاقتصاد والسياسة المالية والعلوم والثقافة والرياضة والعلاقات الإنسانية
بشكل عام، أعتقد أن إمكانات مجموعة بريكس ستتيح لها بأن تصبح في نهاية المطاف واحدة من المؤسسات التنظيمية الأساسية للنظام العالمي المتعدد الأقطاب.
وينبغي أن أشير في هذا الصدد إلى أن المناقشات الدولية جارية بشأن معايير التعاون بين الدول في عالم متعدد الأقطاب وإضفاء الطابع الديمقراطي على نظام العلاقات الدولية برمته. وفي هذا الصدد، اتفقنا واعتمدنا، مع زملائنا في رابطة الدول المستقلة، على وثيقة مشتركة بشأن العلاقات الدولية في عالم متعدد الأقطاب. لقد قمنا أيضا بدعوة شركاءنا لمناقشة هذا الموضوع في منصات دولية أخرى، وخاصة في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس.
ونحن مهتمون يكتسب هذا الحوار داخل الأمم المتحدة تطورا جديا، بما في ذلك الحوار حول موضوع أساسي، وحيوي للجميع، مثل إنشاء نظام أمني غير قابل للتجزئة. وبعبارة أخرى تأكيد في الشئون الدولية مبدا مفاده أن أمن البعض لا يمكن ضمانه على حساب أمن الآخرين.
وأعيدُ إلى الذاكرة بهذا الصدد أنه في نهاية القرن العشرين، بعد انتهاء المواجهة العسكرية ـ الأيديولوجية الحادة، توفرت للمجتمع الدولي فرصة فريدة لبناء نظام أمني مأمون وعادل. ولم يتطلب ذلك الكثير – قدرة بسيطة على الاستماع إلى آراء جميع الأطراف المعنية، والاستعداد المتبادل لأخذ تلك الآراء بعين الاعتبار. وبلدنا مصمم على الانخراط في عمل بناء من هذا النوع.
ولكن، ساد نهج مختلف. فالقوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، اعتقدت أنها انتصرت في الحرب الباردة، وأن لها الحق في تحديد الكيفية التي ينبغي بها تنظيم العالم. وكان التجلي العملي لهذه النظرة هو مشروع التوسع غير المحدود لحلف شمال الأطلسي مكانيا وزمانيا، على الرغم من انه كانت بالطبع أفكار بديلة لضمان الأمن في أوروبا.
لقد ردوا على أسئلتنا العادلة بالأعذار، زاعمين أنه ليس هناك من يتأهب لمهاجمة روسيا، وأن توسع الناتو ليس موجها ضد روسيا. لقد نسوا الوعود التي قطعوها للاتحاد السوفييتي ثم لروسيا في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات بأن الحلف لن يقبل أعضاء جدد. وحتى لو اعترفوا بتلك الوعود، فسوف يتذرعون وهم يبتسمون بأن هذا التعهدات لفظية غير ملزمة.
وكنا نشير في التسعينيات وما بعدها باستمرار إلى النهج الخاطئ الذي اختارته النخب الغربية. ولم نقم بمجرد انتقادهم وتحذيرهم، بل اقترحنا عليهم خيارات وحلولاً بناءة، مؤكدين أهمية وضع آلية للأمن الأوروبي والعالمي، تقبل بها جميع الأطراف المعنية (أريد أن أؤكد على هذه النقطة) بالضبط الجميع. إن سرد كافة المبادرات التي قدمتها روسيا على مر السنين سوف يستغرق الأمر وقتا طويلا.
ولنتذكر فكرة المعاهدة الأمنية الأوروبية التي اقترحناها عام 2008. وأثيرت نفس القضايا في مذكرة وزارة الخارجية الروسية في ديسمبر 2021 المقدمة إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
ومع ذلك، فإن جميع محاولاتنا المتكررة (من المستحيل سردها جميعا) لإقناع شركائنا، وكذلك تفسيراتنا ومناشداتنا وتحذيراتنا وطلباتنا، لم تلقَ أي جواب. فالدول الغربية، التي لم تكن واثقة بعدالة قضيتها، بقدر ما كانت واثقة من قوتها وقدرتها على فرض ما تشاء على بقية العالم، وتجاهلت ببساطة وجهات النظر الأخرى. وفي أفضل الأحوال، اقترحوا مناقشة مسائل أقل أهمية (والتي لم تفعل الكثير لحل المشاكل الفعلية)، أو المسائل التي لم يستفيد منها سوى الغرب.
وسرعان ما أصبح من الواضح أن المفهوم الغربي، الذي يُنظر إليه باعتباره الخيار الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق الأمن والرخاء في أوروبا والعالم، في واقع الأمر غير فعّال. ولنتذكر المأساة في البلقان. لقد كانت بالطبع مشاكل داخلية في يوغسلافيا السابقة، إلا أنها تفاقمت بحدة بسبب التدخل الخارجي الفظ. في ذلك الوقت، تجلى المبدأ الرئيسي للدبلوماسية على طريقة حلف شمال الأطلسي بشكل أكثر وضوحا ــ وهو مبدأ معيب للغاية وعقيم عند معالجة النزاعات الداخلية المعقدة. في جوهره، يقوم على اتهام أحد الأطراف، الذي لأسباب ما لا يعجب الغرب، بجميع الذنوب، وإنزال عليه كل القوة السياسية والإعلامية والعسكرية للغرب، بما في ذلك العقوبات والقيود الاقتصادية ضده.
وبالتالي، تم تطبيق نفس هذه الأساليب في مختلف البلدان، التي نعرفها جيدا: العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان...الخ. ولم تجلب في أي مكان شيئا، سوى تفاقم المشاكل القائمة، وتدمير حياة الملايين من البشر، وتدمير دول بأكملها، واتساع بؤر للكوارث الإنسانية والاجتماعية، فضلا عن ظهور جيوب إرهابية. وفي الواقع، لا يوجد بلد في العالم مُؤَمَّن من الانضمام إلى هذه القائمة المأساوية.
على سبيل المثال، يحاول الغرب حالياً التدخل بوقاحة في شؤون الشرق الأوسط. لقد احتكروا هذه المنطقة في السابق، والنتائج مفهومة وواضحة اليوم للجميع. ومن الأمثلة البارزة أيضا جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. قبل عامين، وفي قمة حلف شمال الأطلسي التي استضافتها مدريد، أُعلن أن الحلف سوف يتعامل الآن مع القضايا الأمنية ليس فقط في المنطقة الأوروبية الأطلسية، بل وأيضاً في منطقة آسيا والباسيفيكي. ويزعمون أن تلك المناطق لا تستطيع الاستغناء عنهم. ومن الواضح أن هذه كانت محاولة لممارسة المزيد من الضغط على دول المنطقة التي قرروا كبح تنميتها. وكما تعلمون، تحتل بلدنا - روسيا احدى الأماكن الأولى في هذه القائمة.
واسمحوا لي أن أذكركم أيضاً بأن واشنطن هي التي قوضت الاستقرار الاستراتيجي من خلال انسحابها من جانب واحد من المعاهدات المتعلقة بالدفاع المضاد للصواريخ، وتصفية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، والسماء المفتوحة، وسوية مع توابعها في الناتو، دمروا النظام القائم منذ عقود من تدابير بناء الثقة والرقابة على الأسلحة في أوروبا.
وأخيرا، قادت الأنانية والغطرسة التي تتبناها الدول الغربية إلى الوضع الحالي بالغ الخطورة. نحن نقترب بشكل خطير من نقطة اللاعودة. إن الدعوات المطالبة بهزيمة استراتيجية لروسيا، التي تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة النووية، تظهر التهور الشديد للسياسيين الغربيين. إنهم إما لم يفهموا حجم الخطر الذي خلقوه بأنفسهم أو ببساطة مهووسون بالأيمان بعدم نيلهم العقاب وفي تفوقهم. وكلا السيناريوين يمكن أن يؤديا إلى مأساة.
ومن الواضح أن نظام الأمن الأوروبي الأطلسي برمته ينهار أمام أعيننا. في الوقت الحاضر، ولا وجود له. وعمليا يجب إعادة بنائه. وهذا يتطلب منا وسوية مع شركائنا، وهم كثيرون، تطوير استراتيجياتنا الخاصة لضمان الأمن في أوراسيا ومن ثم تقديمها لمداولات دولية أوسع نطاقا.
هذا هو بالضبط التكليف الذي جرى تقديمه في الخطاب أمام الجمعية الفيدرالية. إننا نتحدث عن صياغة مخطط عام للأمن المتساوي وغير القابل للتجزئة، والتعاون المتبادل المنفعة، والتنمية المتساوية في القارة الأوراسية، في المستقبل المنظور.
ما الذي يجب القيام به لتحقيق ذلك وعلى أي مبادئ؟ أولاً، من الضروري إقامة حوار مع جميع المشاركين المحتملين في مثل هذا النظام الأمني المستقبلي. و أطلب منكم في البداية معالجة القضايا الضرورية مع الدول المنفتحة على التعاون البناء مع روسيا.
خلال زيارتنا الأخيرة لجمهورية الصين الشعبية، ناقشنا هذه القضية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. وأشاروا إلى أن الاقتراح الروسي لا يتعارض، بل على العكس، يكمل ويتوافق تماما مع المبادئ الأساسية للمبادرة الصينية في مجال الأمن العالمي. وثانيا، من المهم الانطلاق من أن الهيكل الأمني المستقبلي مفتوح لجميع الدول الأوراسية التي ترغب في المشاركة في إنشائه. " للجميع" يعني الدول الأوروبية ودول حلف شمال الأطلسي بالطبع أيضا. نحن نعيش في قارة واحدة، وبغض النظر عما يحدث، لا يمكننا تغيير الجغرافيا، سيتعين علينا بطريقة أو بأخرى التعايش والعمل معا.
أجل، لقد تدهورت علاقات روسيا مع الاتحاد الأوروبي، ومع عدد من الدول الأوروبية، وكما أكدت على هذا عدة مرات، فإن هذا ليس بذنبنا. إن الحملة الدعائية المناهضة لروسيا، والتي تشارك فيها شخصيات أوروبية رفيعة المستوى، مصحوبة بأوهام بأن روسيا تعتزم مهاجمة أوروبا. لقد تحدثت عن هذا الأمر مرات عديدة، ولا داعي لتكراره مرة أخرى في هذه القاعة: فنحن جميعا ندرك أن هذا هراء مطلق، مجرد مبرر لسباق التسلح.
وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أقوم باستطراد صغير. إن الخطر على أوروبا لا يأتي من روسيا. إن التهديد الرئيسي للأوروبيين هو اعتمادهم الخطر والمتزايد، وعمليا الشامل، على الولايات المتحدة: في المجالات العسكرية والسياسية، والتكنولوجية، والأيديولوجية، والمعلوماتية. ويدفعون أوروبا على نحو متزايد إلى هامش التنمية الاقتصادية العالمية، ويغرقونها في فوضى الهجرة وغيرها من المشاكل الأكثر حدة، وتُحرم من كيانها الدولي والهوية الثقافية.
في بعض الأحيان يكون لدى المرء انطباع بأن السياسيين الأوروبيين الحاكمين وممثلي البيروقراطية الأوروبية يخشون فقدان حظوظهم لدى واشنطن أكثر من خوفهم من فقدان ثقة شعوبهم ومواطنيهم. وتظهر الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي ذلك أيضاً. يبتلع السياسيون الأوروبيون الإذلال والوقاحة والفضائح عن طريق مراقبة الزعماء الأوروبيين، وتستخدمهم الولايات المتحدة ببساطة لمصلحتها الخاصة: فتارة تجبرهم على شراء غازهم باهظ الثمن - بالمناسبة، الغاز في أوروبا أغلى بثلاث إلى أربع مرات. مما هو عليه الحال في الولايات المتحدة، كما هو الحال الآن، على سبيل المثال، وتارة يطالبون الدول الأوروبية بزيادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا. وبالمناسبة، فإن المتطلبات دائمة مرة هنا وأخرى هناك. ويتم فرض العقوبات عليهم، على المشغلين الاقتصاديين في أوروبا، دون أي حرج.
والآن يجبرون على زيادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا وتوسيع قدرتهم على إنتاج قذائف المدفعية. من سيحتاج إلى هذه القذائف عندما ينتهي النزاع في أوكرانيا؟ وكيف يمكن لهذا أن يضمن الأمن العسكري لأوروبا؟ الأمر غير واضح. وتستثمر الولايات المتحدة نفسها في التقنيات العسكرية، وفي تقنيات الغد: في الفضاء، وفي الطائرات بدون طيار الحديثة، وفي أنظمة الضرب القائمة على مبادئ فيزيائية جديدة، أي في تلك المجالات التي ستحدد في المستقبل طبيعة الصراع المسلح. وبالتالي، والإمكانات العسكرية والسياسية للقوى، ومواقعها في العالم. والآن يتم منحهم الدور التالي: استثمروا الأموال حيث نحتاج إليها. ولكن هذا لا يزيد من أي إمكانات أوروبية. الله معهم، دعهم. بالنسبة لنا، ربما هذا أمر جيد، ولكن في جوهره، هذا هو واقع الحال.
إذا كانت أوروبا تريد الحفاظ على نفسها كأحد المراكز المستقلة للتنمية العالمية والأقطاب الثقافية والحضارية للكوكب، فمن المؤكد أنها تحتاج إلى أن تكون على علاقات جيدة وودية مع روسيا، والأهم من ذلك، أننا مستعدون لذلك.
لقد فهم هذا الشيء البسيط والواضح في الواقع بصورة جيدة السياسيون على المستوى الأوروبي والعالمي حقا، والوطنيين في بلدانهم وشعوبهم الذين فكروا في الفئات التاريخية، وليس مجرد اتباع لإرادة غريبة وتلقين. لقد تحدث شارل ديغول كثيرا عن هذا في سنوات ما بعد الحرب. وأتذكر جيداً أيضاً كيف أكد المستشار الألماني هيلموت كول في عام 1991، خلال محادثة أتيحت لي الفرصة للمشاركة فيها شخصيا، على أهمية الشراكة بين أوروبا وروسيا. وآمل أن تعود الأجيال الجديدة من الساسة الأوروبيين عاجلاً أم آجلاً إلى هذا التراث.
أما ما يتعلق بالولايات المتحدة نفسها، فإن المحاولات المتواصلة للنخب الليبرالية العولمية الحاكمة هناك اليوم لنشر أيديولوجيتها في العالم أجمع بأي وسيلة، وللحفاظ على وضعها الإمبراطوري، فإن هيمنتها لا تؤدي إلا إلى استنزاف البلاد بشكل متزايد، مما يؤدي إلى تدهورها. والدخول في تناقض واضح مع المصالح الحقيقية للشعب الأمريكي. ولولا هذا الطريق المسدود، والرسولية العدوانية، المتورطة في الإيمان بتفوقهم واستثنائيتهم، لكانت العلاقات الدولية قد استقرت منذ فترة طويلة. وثالثا. من الضروري تكثيف عملية الحوار بشكل كبير بين المنظمات المتعددة الأطراف العاملة بالفعل في أوراسيا لدفع فكرة النظام الأمني الأوراسي، والكلام يدور قبل شيء عن منظمات مثل دولة الاتحاد، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والكومنولث. الدول المستقلة ومنظمة شنغهاي للتعاون، ونرى أنه من الممكن أن تنضم جمعيات أوراسية مؤثرة أخرى من جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط إلى هذه العمليات في المستقبل. رابعا. ونعتقد أن الوقت قد حان لبدء مناقشة واسعة النطاق لنظام جديد من الضمانات الثنائية والمتعددة الأطراف للأمن الجماعي في أوراسيا. وفي الوقت نفسه، من الضروري في المستقبل العمل على التقليص التدريجي للوجود العسكري للقوى الخارجية في المنطقة الأوراسية.
نحن نفهم، بالطبع، أنه في الوضع الحالي قد تبدو هذه الأطروحة غير واقعية، ولكن هذا هو الحال الآن. ولكن إذا قمنا ببناء نظام أمني يمكن الاعتماد عليه في المستقبل، فلن تكون هناك حاجة ببساطة إلى مثل هذا التواجد لوحدات عسكرية من خارج المنطقة. وعلى العموم، لنكن صادقين، اليوم ليست هناك ضرورة لتلك الوحدات – فقط احتلال، وهذا كل شيء
وفي نهاية المطاف، نعتقد أن الهياكل الحكومية والإقليمية في أوراسيا نفسها يجب أن تحدد مجالات محددة للتعاون في مجال الأمن المشترك. وانطلاقاً من ذلك، يتعين علينا بأنفسنا أن نبني منظومة من المؤسسات والآليات والاتفاقيات العاملة التي تخدم فعلياً تحقيق الأهداف المشتركة المتمثلة في الاستقرار والتنمية.
وفي هذا الصدد، نؤيد مبادرة الأصدقاء البيلاروسيين لوضع وثيقة برنامج شامل - ميثاق للتعددية القطبية والتنوع في القرن الحادي والعشرين. ولا يمكنها صياغة المبادئ الإطارية للهندسة الأوراسيوية استناداً إلى القواعد الأساسية للقانون الدولي فحسب، بل يمكنها أيضاً، على نطاق أوسع، صياغة رؤية استراتيجية لجوهر وطبيعة التعددية القطبية والتعددية كنظام جديد للعلاقات الدولية، يحل محل النظام الدولي. العالم المتمركز حول الغرب. إنني أعتبر ذلك أمرا مهما وأطلب منكم دراسة هذه الوثيقة بشكل شامل مع شركائنا ومع جميع الدول المهتمة. وأضيف أنه عند مناقشة مثل هذه القضايا المعقدة، نحتاج بالطبع إلى أقصى قدر من التمثيل الواسع، مع مراعاة النهج والمواقف المختلفة. خامسا. بطبيعة الحال، يجب أن تكون قضايا الاقتصاد والرفاهية الاجتماعية والتكامل والتعاون متبادل المنفعة، وحل المشاكل المشتركة مثل التغلب على الفقر، وعدم المساواة، والمناخ، والبيئة، وتطوير آليات للاستجابة للتحديات. التهديدات الوبائية والأزمات في الاقتصاد العالمي - كل شيء مهم، جزء مهم من نظام الأمن والتنمية الأوراسي.
إن الغرب، بممارساته، لم يقوض الاستقرار العسكري السياسي في العالم من خلال العقوبات والحروب التجارية فحسب، بل شوهه مؤسسات السوق الرئيسية وإضعافها؛ إن استخدام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتشويه برامج المناخ، يعوق تنمية الجنوب العالمي. وإذ خسر الغرب المنافسة، حتى وفقاً للقواعد التي وضعها لنفسه، فإنه يستخدم الحواجز المانعة وجميع ضروب الحمائية. وعلى هذا النحو تخلت الولايات المتحدة فعلياً عن منظمة التجارة العالمية باعتبارها الجهة المنظمة للتجارة الدولية. كل شيء محظور. علاوة على ذلك، فإنهم لا يضغطون على المنافسين فحسب، بل أيضا على توابعهم. وما علينا إلا أن ننظر إلى الكيفية " يمتصون العصار" من الاقتصادات الأوروبية التي تترنح على حافة الركود.
لقد جمدت الدول الغربية جزء من الأصول الروسية واحتياطاتها من العملة الأجنبية. وهم الآن يفكرون في كيفية إنشاء أساس قانوني ما من أجل الاستيلاء عليها نهائيا. ولكن، على الرغم من كل الطرق الملتوية، فإن السرقة ستبقى بلا ريب سرقة، ومن ناحية أخرى، لن تمر من دون عقاب.
والمسألة أعمق من ذلك. انهم سيتخذون، عن طريق سرقة الأصول الروسية، خطوة أخرى نحو تدمير النظام الذي أقاموه بأنفسهم والذي ضمن لعقود عديدة ازدهارهم، وسمح لهم بان يستهلكوا أكثر مما يكسبون، وجذب الأموال من جميع أنحاء العالم عن طريق الديون والالتزامات. والآن أصبح من الواضح لجميع الدول والشركات وصناديق الثروة السيادية أن أصولها واحتياطاتها، أصبحت غير مأمونة لحد بعيد، سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية. ومن الممكن أن تضع الولايات المتحدة والغرب أيِ كان ليكون التالي في صف المصادرة، وقد تتعرض للمصادرة أيضا صناديق الثروة السيادية الأجنبية.
ويزداد الإن انعدام الثقة في النظام المالي القائم على العملات الاحتياطية الغربية. لقد ظهر مؤشرات على تدفق الأموال إلى الخارج من الأوراق المالية والسندات الخاصة بالدول الغربية، وكذلك من بعض البنوك الأوروبية، والتي كانت حتى وقت قريب إلى حد ما تعتبر موثوقة تماما لوضع رؤوس الأموال فيها. والآن يتم سحب الذهب أيضا من تلك البنوك. وهذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله.
أعتقد أننا بحاجة إلى التكثيف الجدي لتشكيل آليات اقتصادية أجنبية فعالة وآمنة ثنائية ومتعددة الأطراف، بديلة لتلك التي يسيطر عليها الغرب. ويتضمن ذلك أيضًا توسيع المدفوعات بالعملات الوطنية، وإنشاء أنظمة دفع مستقلة، وبناء سلاسل الإنتاج والتوريد لتجاوز القنوات المحظورة أو المخترقة من قبل الغرب.
وبطبيعة الحال، من الضروري مواصلة الجهود الرامية إلى تطوير ممرات النقل الدولية في أوراسيا، القارة التي يقع قلبها الجغرافي الطبيعي في روسيا.
وبطبيعة الحال، من الضروري مواصلة الجهود لتطوير ممرات النقل الدولية في أوراسيا، القارة التي تعتبر روسيا قلبها الجغرافي الطبيعي
وأوجهكم من خلال وزارة الخارجية إلى المساعدة بأقصى حد على تطوير الاتفاقيات الدولية في جميع هذه المجالات. إنها مهمة للغاية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين بلدنا وشركائنا. وينبغي لهذا أيضاً أن يعطي زخماً جديداً لبناء شراكة أوراسية كبيرة، والتي قد تصبح في جوهرها أساساً اجتماعياً واقتصادياً لنظام أمني جديد غير قابل للتجزئة في أوروبا.
زملائي الأعزاء! إن فكرة مقترحاتنا تكمن في إنشاء نظام تكون فيه جميع الدول واثقة من أمنها. وبالمناسبة، حينها، سنكون قادرين على اتباع نهج مختلف وبناء حقا لحل النزاعات الكثيرة القائمة اليوم. إن مشاكل انعدام الأمن والثقة المتبادلة لا تقتصر على القارة الأوراسية فحسب؛ بل إننا نلاحظ تزايد التوترات في كل مكان. إننا نرى دائما مدى الترابط والاعتماد المتبادل في العالم، والمثال المأساوي لنا جميعا هو الأزمة الأوكرانية، التي يتردد صدى عواقبها في جميع أنحاء الكوكب بأكمله.
ولكنني أريد أن أقول على الفور: إن الأزمة المرتبطة بأوكرانيا ليست نزاعاً بين دولتين، ناهيك عن نزاع بين شعبين، ناجم عن بعض المشاكل بينهما. لو كان الأمر على هذا النحو، فليس هناك شك في أن الروس والأوكرانيين، الذين يجمعهم تاريخ وثقافة مشتركة وقيم روحية وملايين من القرابة والعائلات والروابط الإنسانية، سيجدون طريقة لحل أي قضايا وخلافات بشكل عادل.
لكن الوضع مختلف: إن جذور النزاع لا تكمن في العلاقات الثنائية. إن الأحداث في أوكرانيا هي نتيجة مباشرة للتطور العالمي والأوروبي في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وتلك السياسة العدوانية غير المقيدة والمغامرة تماما، التي كان الغرب ينتهجها ويتبعها طوال هذه السنوات قبل وقت طويل من بدء العملية العسكرية الخاصة.
إن هذه النخب في الدول الغربية، كما قلت اليوم، بعد نهاية الحرب الباردة، تبنت مسارا يقوم على مواصلة إعادة الهيكلة الجيوسياسية للعالم، من أجل إنشاء وتنفيذ نظام سيء السمعة قائم على القواعد. لقد هدفوا إلى إنشاء وإنفاذ ما يسمى بالنظام القائم على القواعد، التي وببساطة لا تخضع لها الدول القوية ذات السيادة والمكتفية ذاتيا.
ومن هنا جاءت سياسة احتواء بلادنا. وقد أعلنت بعض الشخصيات في الولايات المتحدة وأوروبا عن أهداف هذه السياسة بصراحة. يتحدثون اليوم عن إنهاء الاستعمار المزعوم في روسيا. في الأساس، إنه محاولة لتوفير أساس أيديولوجي لتقسيم وطننا على أسس الهوية القومية. وفي الواقع، لقد جرى الحديث عن تقطيع أوصال الاتحاد السوفيتي وروسيا منذ فترة طويلة. وكل من يجلس في هذه القاعة يعرف ذلك جيداً
وفي الوقت الذي جسدت الدول الغربية هذه الاستراتيجية، انتهجت خط احتواء المناطق القريبة منا وتطويرها عسكريا وسياسيا. لقد كانت هناك خمس، والآن ست، موجات لتوسع حلف شمال الأطلسي. لقد سعوا إلى تحويله إلى موقع متقدم لهم، وجعل أوكرانيا "مناهضة لروسيا". ولتحقيق هذه الأهداف، استثمروا الأموال والموارد، واشتروا سياسيين وأحزابا بأكملها، وأعادوا كتابة التاريخ والبرامج التعليمية، وقاموا برعاية مجموعات من النازيين الجدد والمتطرفين. لقد عملوا كل ما في وسعهم لتقويض علاقاتنا بين الدول، وتقسيمنا، وتأليب شعوبنا على بعضها البعض.
وكانوا قد انتهجوا هذه السياسة بشكل أكثر وقاحة ودون قيد، لولا جنوب شرق أوكرانيا، المنطقة التي كانت جزءاً من روسيا الكبرى التاريخية لقرون من الزمن، والتي كانت في طريقهم. استمر الأشخاص الذين عاشوا هناك، وما زالوا، في الدعوة إلى إقامة علاقات أفضل وأوثق مع بلادنا، بما في ذلك عندما أعلنت أوكرانيا استقلالها في عام 1991. وقد توحدت اللغة الروسية بين العرقيين الروس والأوكرانيين، فضلاً عن ممثلي المجموعات العرقية الأخرى. والثقافة والتقاليد والذاكرة التاريخية.
وكان على الرؤساء الأوكرانيين والمرشحين للرئاسة أن يأخذوا في الاعتبار ببساطة آراء وأمزجة ومصالح هؤلاء الناس ــ الملايين من الناس الذين يعيشون في الجنوب الشرقي. وكان الساسة الأوكرانيون بحاجة إلى أصواتهم. ولكنهم، بعد أن استخدموا دعمهم عند الترشح لمناصب عليا، ناوروا فيما بعد للتهرب من تنفيذ ما وعدوا به، فخرجوا منه، وكذبوا، وتحدثوا عما يسمى الخيار الأوروبي. ومع ذلك، لم يجرؤوا على قطع جميع العلاقات مع روسيا، لأن جنوب شرق أوكرانيا كانت له وجهة نظر مختلفة، وكان لا بد من أخذها في الاعتبار. وكانت هذه الازدواجية حاضرة دائماً في سياسات الحكومة الأوكرانية، منذ الاعتراف بالاستقلال..
والغرب رأى ذلك بالطبع. لقد رأى وأدرك منذ فترة طويلة المشاكل في أوكرانيا، والتي قد تنشأ؛ لقد أدركوا أيضا أهمية الجنوب الشرقي كعامل ردع، كما أدركوا أنه حتى سنوات الدعاية لن تتمكن من تغيير ذلك بشكل جذري. بالطبع لقد جرى عمل الكثير؛ ولكن كان من الصعب تغير الوضع.
لم ينجحوا في تشويه الهوية التاريخية، ووعي غالبية الناس في جنوب شرق أوكرانيا، ومحو موقفهم الودي تجاه روسيا والشعور التاريخي المشترك، بما في ذلك لدى الأجيال الشابة. ولذا قرروا مرة أخرى استخدام القوة، ببساطة لقهر الناس في الجنوب الشرقي، وعدم الاهتمام بآرائهم. ولهذا الغرض، قاموا بالتخطيط والتنظيم والتمويل، بالطبع، مستفيدين من الصعوبات والتعقيدات ذات الطبيعة السياسية الداخلية في أوكرانيا، لكنهم مع ذلك، قاموا بالتحضير المستمر والهادف لانقلاب مسلح.
اجتاحت المدن الأوكرانية موجة تدمير ولعنف وقتل المدن الأوكرانية. واستولى القوميون الراديكاليون على السلطة في كييف واغتصبوها. وتم إعلان شعاراتهم القومية العدوانية، بما في ذلك إعادة رد الاعتبار لأتباع النازية، على مستوى أيديولوجية الدولة. وأعلن نهج إلغاء اللغة الروسية في المجالات الحكومية والاجتماعية، وشددوا الضغط على المؤمنين الأرثوذكس والتدخل في شؤون الكنيسة، مما أدى في النهاية إلى الانقسام. ويبدو أن أحداً لم يلاحظ هذا التدخل، كما لو أن الأمر يجب أن يكون على هذا النحو. جربوا القيام بشيء كهذا في مكان آخر، فستكون ردود فعل حادة عليه. أما في أوكرانيا فمسموح به، لأنه ضد روسيا..
إن موقف الملايين من سكان أوكرانيا، وبالدرجة الأولى في مناطقها الشرقية، ضد الانقلاب، معروف. وبدأوا يتعرضون للتهديد بالعنف والإرهاب. وبدأت السلطات الجديدة في كييف بالدرجة الاولى بالتحضير لإنزال ضربة بشبه جزيرة القرم الناطقة بالروسية، والتي، كما تعلمون، تم نقلها من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية إلى أوكرانيا في عام 1954 مع انتهاك جميع قواعد القانون والإجراءات، حتى تلك التي كانت سارية في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت. وفي هذه الحالة، لا يمكننا بالطبع التخلي عن شعب شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول ونتركهم دون حماية. لقد قاموا بخيارهم، في مارس 2014
وكما هو معروف، تم التوحيد التاريخي لشبه جزيرة القرم وسيفاستوبول مع روسيا.
وبدأ قمع الاحتجاجات السلمية ضد الانقلاب في خاركوف، خيرسون، أوديسا، زابوروجيي، دونيتسك، لوغانسك، ماريوبول، وأطلق نظام كييف والجماعات القومية العنان للإرهاب. ربما ليست هناك حاجة للتذكر، فالجميع يتذكر جيدا ما حدث في هذه المناطق.
أجريت استفتاءات في مايو 2014، بشأن وضع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، حيث صوتت الأغلبية المطلقة من السكان لصالح الاستقلال والسيادة. السؤال الذي يطرح نفسه على الفور: هل يستطيع الناس بشكل عام التعبير عن إرادتهم بهذه الطريقة، هل يمكنهم إعلان استقلالهم؟ ويدرك الجالسون في هذه القاعة أنه يمكنهم ذلك بالطبع، وأن لديهم كل الحق والأساس لذلك، ووفقا للقانون الدولي، بما في ذلك حق الشعوب في تقرير المصير. ولا داعي لتذكيري، لكن وبما أن وسائل الإعلام تعمل هنا، أقول إن الفقرة 2 من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي هذا الحق.
وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أذكركم بسابقة كوسوفو الشهيرة. لقد تحدثنا عن هذا عدة مرات، والآن سأتحدث عن الموضوع مرة أخرى. وكانت السابقة التي خلقتها الدول الغربية بنفسها هي أنها اعترفت، في وضع مماثل تماماً، بانفصال كوسوفو عن صربيا في عام 2008 باعتباره مشروعاً. وأعقب ذلك القرار المعروف لمحكمة العدل الدولية، التي قررت في 22 يوليو 2010، استنادا إلى الفقرة 2 من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة، باقتباس آخر: " لم يصدر من ممارسة مجلس الأمن أي حظر عام على إعلان من الاستقلال جانب واحد" . والاقتباس التالي: "القانون الدولي العام لا يتضمن أي حظر قابل للتطبيق على إعلان الاستقلال". علاوة على ذلك، فقد كُتب هناك أيضا أن تلك الأجزاء من البلاد، التي قررت إعلان استقلالها ومهما كانت، ليست ملزمة بالاتصال بالسلطات المركزية في دولتها السابقة. كل شيء مكتوب هناك، كل شيء كتب باليد وواضح.
فهل كان من حق هاتين الجمهوريتين - دونيتسك ولوغانسك - أن تعلنا استقلالهما؟ بالطبع نعم. ولا يمكن حتى النظر بشكل مختلف إلى هذه القضية.
ماذا فعل النظام في كييف في هذه الحالة؟ لقد تجاهل تماما خيار الشعب وأطلق حرباً واسعة النطاق ضد الدول المستقلة الجديدة - جمهوريات دونباس الشعبية باستخدام الطيران والمدفعية والدبابات. بدأت ضرب وقصف المدن المسالمة وأعمال الترهيب. وماذا حدث بعد ذلك؟ حمل سكان دونباس السلاح دفاعاً عن حياتهم وبيوتهم وحقوقهم ومصالحهم المشروعة.
ونُسمع الآن في الغرب، باستمرار أطروحة مفادها أن روسيا بدأت الحرب كجزء من عملية عسكرية خاصة، وأنها هي المعتدي، ولذلك، بما في ذلك يمكن إنزال ضربات في أراضيها باستخدام أنظمة الأسلحة الغربية، ويُزعم أن أوكرانيا تدافع عن نفسها ويمكنها القيام بذلك.
مرة أخرى أود التأكيد: روسيا لم تبدأ الحرب، بل نظام كييف، وأكرر، بعد أن أعلن سكان جزء من أوكرانيا، وفقا للقانون الدولي، استقلالهم، بدأ الأعمال القتالية ويواصلها. وهذا هو العدوان إذا لم نعترف بحق هذه الشعوب التي تعيش في هذه الأراضي في إعلان استقلالها. وإذا لم نعترف بحق هذه الشعوب في إعلان استقلالها فهذا عدوان بالفعل. وبالتالي فإن أولئك الذين دعموا آلة الحرب التي استخدمها نظام كييف على مر السنين، هم شركاء في هذا العدوان.
لقد رفض سكان دونباس في عام 2014، الاستسلام. وصمدت وحدات الميليشيا في مواقعها، وصدت قوات التنكيل، وفي النهاية طردتهم من دونيتسك ولوغانسك. كنا نأمل بأن يعيد هذا أولئك الذين أطلقوا المذبحة إلى رشدهم. ومن أجل وقف إراقة الدماء، وجهت روسيا نداءاتها المعتادة لإجراء مباحثات، وبدأت المحادثات بمشاركة كييف وممثلي جمهوريات دونباس، بدعم من روسيا وألمانيا وفرنسا.
كانت المحادثة صعبة، ولكن مع ذلك، بعد نتائج عام 2015، تم إبرام اتفاقيات مينسك. لقد أخذنا تنفيذها على محمل الجد وكنا نأمل بأن نتمكن من حل الوضع في إطار عملية السلام والقانون الدولي. وكان من المأمول أن يؤدي ذلك إلى مراعاة المصالح والمطالب المشروعة لدونباس، وتكريس الوضع الخاص لهذه المناطق في الدستور والحقوق الأساسية للأشخاص الذين يعيشون هناك مع الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا. لقد كنا مستعدين لذلك، وكنا على استعداد لإقناع الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق بحل القضايا بهذه الطريقة بالضبط، وقدمنا أكثر من مرة تنازلات وحلول ملموسة.
لكن في النهاية جرى رفض كل شيء. لقد ألقت كييف بكل بساطة اتفاقيات مينسك في سلة المهملات. وكما كشف ممثلو النخبة الأوكرانية علناً في وقت لاحق، فإنهم لم يكونوا راضين عن أي من المواد الواردة في هذه الوثائق، بل ببساطة كذبوا وتهربوا قدر استطاعتهم.
واعترفت المستشارة الألمانية السابقة والرئيس الفرنسي السابق لاحقا، وهما في الواقع، المؤلفون المشاركون والضامنون لاتفاقيات مينسك، فجأة أيضا بشكل مباشر بأنه كما اتضح لم يخطط لتنفيذها، بل كانوا بحاجة فقط للحديث عن الوضع من أجل كسب الوقت لتعبئة التشكيلات المسلحة الأوكرانية وتزويدها بالأسلحة والمعدات. لقد "خدعونا" مرةً أخرى، خدعونا.
وبدلاً من عملية سلام حقيقية، وبدلاً من سياسة إعادة الإدماج والمصالحة الوطنية التي أحب الساسة في كييف التشدق بها، قاموا في غضون 8 سنوات بقصف الدونباس. دبروا أعمالا إرهابية واغتيالات، وضربوا حصارا لا مثيل لقسوته. وطوال هذه السنوات أعلنوا سكان الدونباس (النساء والأطفال والشيوخ) ناس من "جنس من الدرجة الثانية"، " لم يرتقوا إلى مستوى البشر"، وهددوهم بالتنكيل، ورددوا سناتي ونصفي الحساب مع الجميع.
ماذا يمكن أن يكون هذا إن لم يكن إبادة جماعية في قلب أوروبا في القرن الحادي والعشرين؟ وفي الوقت نفسه، تظاهروا في أوروبا والولايات المتحدة بأنه لم يحدث شيء ولم يلاحظ أحد أي شيء.
دُفنت عملية مينسك أخيرا في نهاية عام 2021 - بداية عام 2022، دفنتها كييف ورعاتها الغربيون، وجرى التخطيط لضربة ضخمة مرة أخرى في دونباس. واستعدت مجموعة كبيرة من القوات المسلحة الأوكرانية لشن هجوم جديد على لوغانسك ودونيتسك، مما كان سيؤدي بطبيعة الحال إلى تطهير عرقي وخسائر فادحة، ومئات الآلاف من اللاجئين. وكنا ملزمين بمنع هذه الكارثة، وحماية الناس، ولم يكن بوسعنا تبني أي قرار آخر.
واعترفت روسيا أخيراً بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين. ففي نهاية المطاف، لم نعترف بهم لمدة ثماني سنوات، إذ كنا نأمل في التوصل إلى اتفاق. والنتيجة معروفة الآن. وفي 21 فبراير 2022، أبرمنا اتفاقيات الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة مع هذه الجمهوريات التي اعترفنا بها. سؤال: هل كان من حق الجمهوريات الشعبية أن تتوجه إلينا بطلب الدعم إذا نحن اعترفنا باستقلالها؟ وهل كان من حقنا أن نعترف باستقلالها، كما كان من حقها إعلان سيادتها وفقا لمواد وقرارات محكمة العدل الدولية التي ذكرتها؟ فهل كان لهم الحق في إعلان الاستقلال؟ امتلكوا الحق. ولكن إذا كان لديهم مثل هذا الحق واستغلوه، فمن حقنا أن نبرم اتفاقاً معهم - وقد فعلنا ذلك، وأكرر قمنا بذلك: بما يتطابق بصورة كاملة مع لقانون الدولي والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه، طلبنا من سلطات كييف سحب قواتها من دونباس. أستطيع أن أقول لكم إنه كانت هناك اتصالات، وقلنا لهم على الفور: اسحبوا القوات من هناك، وسينتهي كل شيء عند هذا الحد. ورفضوا هذا الاقتراح على الفور تقريبا، وببساطة تجاهلته كييف، مع انه كان أتاح فرصة حقيقية لحل القضية سلمياً.
وفي 24 فبراير 2022، اضطرت روسيا إلى الإعلان عن بدء عملية عسكرية خاصة. وفي الوقت الذي توجهت بكلمتي لمواطني روسيا وسكان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك والمجتمع الأوكراني، حددت أهداف هذه العملية - وهي حماية الناس في دونباس، واستعادة السلام، وتنفيذ عملية نزع السلاح وتطهير أوكرانيا من الميول النازية، وإزالة التهديدات لبلدنا، واستعادة التوازن الأمني في أوروبا.
وفي الوقت نفسه، كانت في أولوياتنا تحقيق هذه الأهداف عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية. اسمحوا لي أن أذكركم أنه في المرحلة الأولى من العملية العسكرية الخاصة، بدأت بلادنا مفاوضات مع ممثلي نظام كييف. لقد جرت أولاً في بيلاروسيا، ثم في تركيا. وحاولنا أن ننقل فكرتنا الرئيسية: احترام خيار دونباس، وإرادة الناس الذين يعيشون هناك، وسحب قواتكم، ووقف قصف المدن والبلدات المسالمة. وليست هناك حاجة إلى أي شيء آخر، وسوف نقوم بحل القضايا المتبقية في المستقبل. وكان الجواب: لا، سوف نقاتل. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي جاء من أسيادهم الغربيين. سأتحدث عن هذا الآن:
في ذلك الوقت، في فبراير ومارس 2022، اقتربت قواتنا، كما هو معروف، من كييف. لقد كانت هناك الكثير من التكهنات حول هذه المسألة في أوكرانيا وفي الغرب، آنذاك والآن.
ماذا أريد أن أقول عن هذا؟ لقد كانت تشكيلاتنا متمركزة بالفعل بالقرب من كييف، وكانت لدى الإدارات العسكرية والكتلة الأمنية مقترحات مختلفة بشأن خيارات أعمالنا الإضافية المحتملة، لكن لم يكن هناك قرار سياسي باقتحام المدينة التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، بغض النظر عما قاله أو تكهنه أيٍ كان فهناك لم يكن ضمن مخططاتنا.
في الأساس، لم تكن أكثر من عملية لإجبار النظام الأوكراني على السلام. وكانت القوات هناك من أجل دفع الجانب الأوكراني إلى المفاوضات، ومحاولة إيجاد حلول مقبولة، وبالتالي إنهاء الحرب التي بدأتها كييف ضد دونباس في عام 2014، ومعالجة القضايا التي تشكل تهديدا لأمن بلدنا، أمن روسيا.
ومن المثير للدهشة أنه نتيجة لذلك تم التوصل بالفعل إلى اتفاقيات ترضي موسكو وكييف. وقد تم وضع هذه الاتفاقيات على الورق وتوقيعها بالأحرف الأولى في إسطنبول من قبل رئيس الوفد المفاوض الأوكراني. وهذا يعني أن هذا الحل كان مناسبا لسلطات كييف.
وكانت الوثيقة تسمى "معاهدة الحياد الدائم والضمانات الأمنية لأوكرانيا". لقد كانت حلا وسطا، لكن نقاطها الرئيسية كانت متوافقة مع مطالبنا الأساسية وحُلت المشاكل التي ذكرتها على أنها المشاكل الرئيسية، حتى في بداية عملية عسكرية خاصة. بما في ذلك، كما قد يبدو غريبا، ألفت انتباهكم إلى نزع السلاح وتطهير أوكرانيا من النازية. وهنا تمكنا أيضا من إيجاد حلول معقدة. إنها معقدة، ولكن تم العثور عليها. وهي: كان من المفترض أن يتم اعتماد قانون أوكراني يحظر الأيديولوجية النازية وأي من مظاهرها. كل ذلك كُتوب هناك.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أوكرانيا، مقابل ضمانات أمنية دولية، سوف تحدد حجم قواتها المسلحة، وتقبل التزامات بعدم الدخول في تحالفات عسكرية، وعدم السماح بقواعد عسكرية أجنبية، وعدم نشرها وحداتها، وعدم إجراء تدريبات عسكرية. على أراضيها. كل شيء مكتوب على الورق.
بالإضافة إلى ذلك، في مقابل ضمانات أمنية دولية، ستحد أوكرانيا من حجم قواتها المسلحة، وتتعهد بالتزامات بعدم الانضمام إلى التحالفات العسكرية، وعدم استضافة قواعد عسكرية أجنبية، وعدم نشرها وحداتها، ولا تجري تدريبات عسكرية على أراضيها. كل شيء كان مكتوبا على الورق
من جانبنا تفهمنا أيضاً المخاوف الأمنية لأوكرانيا، ووافقنا على حصول أوكرانيا على ضمانات مماثلة لتلك التي تتمتع بها الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي دون الانضمام رسمياً إلى الحلف. لقد كان القرار صعباً بالنسبة لنا، ولكننا أدركنا شرعية مطالب أوكرانيا بضمان أمنها، ومن حيث المبدأ لم نعترض على الصياغة التي اقترحتها كييف. كانت هذه هي الصياغة التي اقترحتها كييف، ولم يكن لدينا أي اعتراضات على الإطلاق، لأننا نفهم أن الشيء الرئيس هو وقف إراقة الدماء والحرب في دونباس..
في 29 مارس/آذار 2022، سحبنا قواتنا من كييف، نظرا لأنه أقنعونا بضرورة تهيئة الظروف اللازمة لاستكمال عملية التفاوض السياسي، ولاستكمال هذه العملية. وأنه لا يجوز لأحد الطرفين التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، كما قال زملاؤنا الغربيون، والمدس عند الصدغ. . حسنا، لقد وافقنا على ذلك أيضا..
ولكن، وعلى الفور، في اليوم التالي بعد انسحاب القوات الروسية من كييف، علقت القيادة الأوكرانية مشاركتها في عملية المفاوضات، وقامت بالاستفزاز المعروف في بوتشا، وتخلت عن النسخة المعدة من الاتفاقات. أعتقد أنه من الواضح اليوم سبب الحاجة إلى هذا الاستفزاز القذر - لشرح بطريقة أو بأخرى رفض النتائج التي تم تحقيقها خلال المفاوضات. لقد رفضوا الطريق إلى السلام مرة أخرى.
وجرى ذلك، كما نعلم الآن، بناءً على أوامر من القيمين الغربيين، بما في ذلك رئيس وزراء بريطانيا العظمى السابق، الذي قال خلال زيارته إلى كييف بصراحة: لا توجد اتفاقيات، نحن بحاجة إلى هزيمة روسيا في ساحة المعركة، وتحقيق هزيمتها الاستراتيجية. وباشروا في ضخ الأسلحة بشكل مكثف إلى أوكرانيا، وبدأوا يتحدثون عن الحاجة إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بنا، كما ذكرت للتو. وبعد مرور بعض الوقت، كما يعلم الجميع، أصدر رئيس أوكرانيا مرسوما منع بموجبه ممثليه، وحتى نفسه من إجراء أي مفاوضات مع موسكو. هذه الحلقة مع محاولتنا لحل المشكلة بالوسائل السلمية انتهت مرة أخرى بلا شيء.
أما بالنسبة للمفاوضات، فأود الآن أن أعلن عن حلقة أخرى. لم أتحدث عن هذا الأمر علناً أيضاً، لكن بعض الحاضرين هنا يعرفون ذلك. بعد أن استولى الجيش الروسي على جزء من منطقتي خيرسون وزابوروجي، عرض العديد من السياسيين الغربيين وساطتهم للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع. كان أحدهم في زيارة عمل لموسكو في 5 مارس/آذار 2022. وقبلنا جهود الوساطة التي قام بها، خاصة أنه قال خلال الحديث إنه حصل على دعم قادة ألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى.
تساءل ضيفنا الأجنبي أثناء حديثنا – وهي لحظة مثيرة للاهتمام – قائلاً: إذا كنتم تساعدون دونباس، فلماذا تتواجد القوات الروسية في جنوب أوكرانيا، بما في ذلك منطقتي خيرسون وزابوروجيا؟ فأجبنا بأن هذا هو قرار هيئة الأركان العامة بشأن التخطيط للعملية. وسأضيف اليوم أن الفكرة كانت تتمثل في تجاوز بعض المناطق المحصنة التي بنتها السلطات الأوكرانية في دونباس على مدى ثماني سنوات، وذلك في المقام الأول لتحرير ماريوبول.
ثم سأل زميلنا الأجنبي، وهو رجل محترف، لكي نكون منصفين معه: هل ستبقى القوات الروسية في منطقتي خيرسون وزابوروجيي؟ وماذا سيحدث لهذه المناطق بعد أن حققت العملية العسكرية الخاصة أهدافها؟ وأجبت على هذا أنني لا أستبعد بشكل عام الحفاظ على السيادة الأوكرانية على هذه الأراضي، بشرط أن يكون لدى روسيا جسر بري مستقر إلى شبه جزيرة القرم.
وهذا يعني أن كييف يجب أن تضمن حق الطريق، كما يسمونها، وهو حق رسمي قانوني لروسيا في الوصول إلى شبه جزيرة القرم عبر منطقتي خيرسون وزابوروجي. وهذا قرار سياسي حاسم. وبطبيعة الحال، لن يتم اعتماده من جانب واحد في نسخته النهائية، ولكن فقط بعد التشاور مع مجلس الأمن، ومع المؤسسات الأخرى، وبالطبع بعد المناقشة مع المواطنين والجمهور في بلدنا، وقبل كل شيء، مع سكان بلدنا. منطقتي خيرسون وزابوروجي..
وفي النهاية هذا ما قمنا به: طلبنا رأي السكان أنفسهم وأجرينا استفتاءات. ونفذنا ما قرره الشعب، بما في ذلك في منطقتي خيرسون وزابوروجي، وفي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين..
في ذلك الوقت، في مارس 2022، قال شريكنا المفاوض إنه سيتوجه إلى كييف لمواصلة الحديث مع زملائه في العاصمة الأوكرانية. لقد رحبنا بذلك، بشكل عام، باعتباره محاولات لإيجاد تسوية سلمية للنزاع، لأن كل يوم من أيام القتال يعني خسائر وخسائر جديدة. لكن أوكرانيا لم تقبل بخدمات الوسيط الغربي كما علمنا لاحقاً، بل على العكس، كما عرفنا، اتهموه باتخاذ مواقف مؤيدة لروسيا بشكل قاس نوعاً ما، لا بد من الإشارة إليها، ولكن هذه تفاصيل..
والآن، كما قلت، تغير الوضع بشكل جذري. فقد أعرب سكان خيرسون وزابوروجي عن موقفهم في الاستفتاءات، وأصبحت منطقتي خيرسون وزابوروجيي، وكذلك جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، جزءا من روسيا الاتحادية. ولا يمكن الحديث عن انتهاك وحدة دولتنا. إن إرادة الشعب في الوقوف إلى جانب روسيا لن تتزعزع، لقد أُغلق هذا الموضوع للأبد ولم يعد مادة للنقاش
ومرة أخرى، كان الغرب هو الذي تعمد وأثار أزمة أوكرانيا؛ إن الغرب هو الذي يبذل قصارى جهده الآن لتمديد هذه الأزمة إلى أجل غير مسمى، من أجل إضعاف شعبي روسيا وأوكرانيا وزرع الضغينة المتبادلة بينهما.
ويواصلون إرسال المزيد من دفعات الأسلحة والذخيرة. وفكر بعض الساسة الأوروبيين مؤخراً في إمكانية نشر قواتهم النظامية في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، وكما أشرت، فإن محركي الدمى هؤلاء، هم الحكام الحقيقيين لأوكرانيا – إن هؤلاء ويا يا للأسف ليسوا شعب أوكرانيا، بل النخب العولمية المقيمة في الخارج - ويحاولون الآن الفاء عبء القرارات التي لا تحظى بشعبية على السلطة التنفيذية الأوكرانية، بما في ذلك قرار خفض سن التجنيد بشكل أكبر.
وكما تعلمون، جرى مؤخرا تخفيض السن المؤهل للتجنيد للرجال الأوكرانيين إلى 25 عاما؛ وقد يخفضونها إلى 23 في المرة القادمة، ثم إلى 20، أو يخفضونها إلى 18. والشيء التالي الذي نعرفه هو أنهم سيتخلصون من المسؤولين الذين اتخذوا، تحت ضغط من الغرب، هذه القرارات التي لا تحظى بشعبية، سيتخلصون منهم. باعتبارهم غير ضروريين، وإلقاء كامل المسؤولية عليهم، واستبدالهم بمسؤولين آخرين، يعتمدون أيضاً على الغرب، ويضعون مكانهم أشخاصا آخرين، يعتمدون أيضا على الغرب، ولكن بسمعة ليست ملطخة بهذه الدرجة.
ومن هنا ربما جاءت فكرة إلغاء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أوكرانيا. وسيسمحون للفريق الحاكم الحالي بالقيام بذلك وقبل رميه في سلة المهملات، وسيستمرون في القيام بكل ما يعتقدون أنه صحيح.
وفي هذا الصدد، أود أن أذكركم بشيء تفضل كييف أن تنساه، ويصمت عنه الغرب أيضاً. ما هذا؟ قضت المحكمة الدستورية في أوكرانيا في مايو 2014، بما يلي: "يتم انتخاب الرئيس لمدة خمس سنوات، بغض النظر عما إذا كانت الانتخابات دورية أم مبكرة". علاوة على ذلك، أشارت المحكمة الدستورية إلى أن "الوضع الدستوري للرئيس لا يتضمن أي قواعد تحدد أي فترة ولاية أخرى غير فترة الخمس سنوات". نهاية الاقتباس. نقطة. وكان قرار المحكمة نهائيا، وغير قابل للاستئناف.
ماذا يعني هذا تطبيقا على الوضع اليوم؟ انتهت الولاية الرئاسية لرئيس أوكرانيا المنتخب سابقاً مع شرعيته التي لا يمكن استعادتها بأي حيل. الآن لن أتحدث بالتفصيل عن خلفية قرار المحكمة الدستورية لأوكرانيا بشأن الولاية الرئاسية. ومن الواضح أنها ارتبطت بمحاولات إضفاء الشرعية على انقلاب 2014. ولكن مع ذلك، هناك مثل هذا الحكم، وهذه حقيقة قانونية، تجعل كل المحاولات لتبرير مشهد إلغاء الانتخابات اليوم، مشكوك فيها.
في الواقع، بدأت الصفحة المأساوية الحالية في تاريخ أوكرانيا مع الاستيلاء على السلطة بالقوة، كما قلت من قبل، بتمرد مخالف للدستور في عام 2014. أكرر: يكمن التمرد المسلح في أصل نظام كييف الحالي. والآن كل شيء يبدا من البداية، فقد تعرضت السلطة التنفيذية في أوكرانيا مرة أخرى، كما حدث في عام 2014، للاغتصاب والاحتفاظ بها بشكل غير قانوني، بل إنها في الواقع غير شرعية.
اسمحوا لي أن أقول المزيد: إن الوضع المرتبط بإلغاء الانتخابات هو تعبير عن طبيعة نظام كييف الحالي، الذي نشأ عن الانقلاب المسلح عام 2014، وارتبط به وجذوره هناك. وحقيقة أنهم، بعد إلغاء الانتخابات، يواصلون التشبث بالسلطة، هو أمر محظور صراحة بموجب المادة 5 من دستور أوكرانيا. واقتبس: "إن الحق في تحديد وتغيير النظام الدستوري في أوكرانيا يعود حصرياً إلى الشعب ولا يجوز للدولة أو هيئاتها أو مسؤوليها، اغتصابه". بالإضافة إلى ذلك، تندرج مثل هذه الأفعال تحت المادة 109 من القانون الجنائي لأوكرانيا، والتي تشير على وجه التحديد إلى التغيير القسري أو الإطاحة بالنظام الدستوري أو الاستيلاء على سلطة الدولة، فضلاً عن التآمر لارتكاب مثل هذه الأعمال.
جرى تبرير هذا الاغتصاب في عام 2014، بالثورة، والآن بالأعمال القتالية، لكن هذا لا يغير من الوضع الفعلي. ففي الواقع، نحن نتحدث عن التواطؤ بين السلطة التنفيذية للحكومة الأوكرانية، وقيادة البرلمان الأوكراني، والأغلبية البرلمانية التي تسيطر عليها. ويهدف هذا التواطؤ إلى اغتصاب سلطة الدولة (هذه هي الطريقة الوحيدة لوصف ذلك)، وهو جريمة جنائية بموجب القانون الأوكراني.
وبعد ذلك، لا ينص دستور أوكرانيا على إمكانية إلغاء أو تأجيل انتخاب رئيس البلاد، أو استمرار صلاحياته فيما يتعلق بالأحكام العرفية، التي يشيرون إليها الآن. ماذا يقول القانون الأساسي الأوكراني؟ يقول إنه يمكن تأجيل انتخابات البرلمان الأوكراني خلال فترة الأحكام العرفية. تنص المادة 83 من الدستور الأوكراني على ذلك.
لذا فقد نص التشريع الأوكراني على الاستثناء الوحيد عندما تُمدد صلاحيات السلطة العامة لفترة الأحكام العرفية ولا يتم إجراء الانتخابات. وهذا ينطبق حصرا على البرلمان الأوكراني. وهذا يمثل وضع برلمان أوكرانيا كهيئة دائمة بموجب الأحكام العرفية.
وبعبارة أخرى، فإن البرلمان الأوكراني هو الهيئة الشرعية اليوم، على عكس السلطة التنفيذية. أوكرانيا ليست جمهورية رئاسية، ولكنها جمهورية برلمانية ـ رئاسية. في هذا بيت القصيد.
علاوة على ذلك، يتمتع رئيس البرلمان الأوكراني، الرئيس بالنيابة، بموجب المادتين 106 و 112 بسلطات خاصة، بما في ذلك في مجال الدفاع والأمن والقيادة العليا للقوات المسلحة. كل شيء مكتوب هناك بالأبيض والأسود.
وبالمناسبة، أبرمت أوكرانيا في النصف الأول من هذا العام، مجموعة من الاتفاقيات الثنائية بشأن التعاون الأمني والدعم طويل الأجل مع عدد من الدول الأوروبية. والآن هناك وثيقة مماثلة مع الولايات المتحدة.
لقد نشأت منذ 21 مايو من هذا العام بشكل طبيعي مسألة سلطة وشرعية ممثلي الجانب الأوكراني الذين يوقعون على مثل هذه الوثائق. ونحن لا نهتم بهذا، كما يقولون، دعهم يوقعون ما يريدون. ومن الواضح أن هناك عنصرا سياسيا ودعائيا هنا. تريد الولايات المتحدة وتوابعها بطريقة ما لدعم توابعها، ومنحهم الوزن والشرعية.
ومع ذلك، إذا تم إجراء فحص قانوني جدي لمثل هذه الاتفاقية في وقت لاحق في الولايات المتحدة (ليس فيما يتعلق بالمحتوى، بل بالإطار القانوني)، فلا شك أن التساؤلات سوف تنشأ حول من وقع على هذه الوثائق وبأي سلطة. وقد يتبين أن كل ذلك مجرد ثرثرة، مما يجعل الاتفاق باطلا، وقد ينهار الهيكل برمته، شرط أن يكون هناك استعداد لتحليل الوضع. يمكن للمرء أن يتظاهر بأن كل شيء طبيعي، لكن الواقع بعيد عن ذلك، لقد قرأته. كل ذلك موثق، ومنصوص عليه في الدستور.
اسمحوا لي أيضاً أن أذكركم أنه بعد بدء العملية العسكرية الخاصة، أطلق الغرب حملة عاصفة وفظة للغاية، في محاولة لعزل روسيا عن الساحة الدولية. واليوم أصبح من الواضح للجميع، أن هذه المحاولة باءت بالفشل، لكن الغرب بالطبع لم يتخل عن فكرته المتمثلة في بناء ما يشبه تحالف دولي مناهض لروسيا وممارسة مظهر من مظاهر الضغط على روسيا. ونحن نفهم هذا أيضا.
وكما تعلمون، بدأوا في الترويج بنشاط لمبادرة عقد ما يسمى بالمؤتمر الدولي رفيع المستوى حول قضايا السلام في أوكرانيا في سويسرا. علاوة على ذلك، فإنهم يخططون لعقدها مباشرة بعد قمة مجموعة السبع، أي مجموعة أولئك الذين أججوا النزاع في أوكرانيا بسياساتهم. إن ما يقترحه منظمو الاجتماع في سويسرا هو مجرد حيلة أخرى لصرف أنظار الجميع، وعكس سبب ونتيجة الأزمة الأوكرانية، ووضع المناقشة على المسار الخاطئ، وإلى حد ما، تأكيد مظهر شرعية السلطة التنفيذية في أوكرانيا مرة أخرى.
لذلك، فمن الطبيعي لن تناقش القضايا الأساسية الحقيقية التي تكمن وراء الأزمة الحالية للأمن والاستقرار الدوليين، والجذور الحقيقية للنزاع الأوكراني، في سويسرا، من حيث المبدأ، رغم كل المحاولات لإضفاء مظهراً لائقاً لحد ما إلى جدول أعمال المؤتمر.
يمكننا أن نتوقع أن كل شيء سوف ينحصر في محادثات عامة ذات طبيعة ديماغوجية ومجموعة جديدة من التهم ضد روسيا. والمشروع سهل القراءة وينحصر بإشراك أكبر عدد ممكن من الدول وبأي وسيلة ممكنة، وبالمحصلة تقديم القضية كما لو أن المجتمع الدولي باسره يقاسم الوصفات والقواعد الغربية، مما يعني بأن على بلدنا يجب قبولها دون قيد أو شرط.
وبطبيعة الحال، لم يدعونا للاجتماع في سويسرا. وفي الواقع، إنها بالأساس ليست مباحثات، بل رغبة مجموعة من البلدان في مواصلة شق طريقها، لمعالجة القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على مصالحنا وأمننا وفقًا لتقديرها.
وفي هذا الصدد، أود أن أؤكد أنه بدون مشاركة روسيا، وبدون حوار نزيه ومسؤول معنا، من المستحيل التوصل إلى حل سلمي في أوكرانيا وبشكل عام للأمن الأوروبي في بعده العالمي.
ولحد الآن، يتجاهل الغرب مصالحنا، وفي الوقت نفسه يمنع كييف من إجراء مباحثات، ويدعونا طوال الوقت بصورة منافقة إلى ضرب من المفاوضات. وببساطة يبدو الأمر غبيا: فمن ناحية، يحظرون على كييف إجراء مباحثات معنا، ولكنهم يدعوننا للمباحثات، ويلمحون أيضا إلى أننا نرفض المباحثات. هذا هذيان. لكننا نعيش وببساطة في في نوع من عالم أسطوري.
ولكن، أولا، بادئ ذي بدء، عليهم أن يأمروا كييف برفع الحظر، والحظر الذاتي على المباحثات مع روسيا وثانيا، نحن مستعدون للجلوس إلى طاولة المباحثات ولو غدا. وفي نفس الوقت نحن نفهم كل خصوصيات الوضع القانوني، ولكن هناك سلطات شرعية، حتى وفقا للدستور، وقد تحدثت عن هذا قبل قليل، هناك مَن من الممكن التفاوض معه. فتفضلوا نحن مستعدون. شروطنا لبدء مثل هذه المحادثات بسيطة، وتنحصر فيما يلي.
كما تعلمون، سأصرف بعض الوقت الآن لاسترجاع مرة أخرى كل سلسلة الأحداث التي وقعت، بحيث يكون من الواضح أن ما سأقوله الآن بالنسبة لنا ليس مرهون بالوضع الحالي، لكننا التزمنا دائما بموقف محدد، لقد سعينا دائما إلى السلام.
إذن، هذه الشروط بسيطة للغاية. ينبغي أن تُسحب القوات الأوكرانية بصورة كاملة من مناطق دونيتسك ولوغانسك الشعبية وخيرسون وزابروجيي. زد على ذلك، أود أن ألفت الأنظار بالضبط الانسحاب من كامل أراضي هذه المناطق، وضمن حدودها الإدارية، التي كانت موجود في زمن دخولها إلى أوكرانيا.
وما أن تعلن كييف أنها مستعدة لاتخاذ مثل هذا القرار، ويشرعون بسحب القوات من هذه المناطق بصورة فعلية، وكذلك الإخطار رسميا بالتخلي عن خطط الانضمام إلى حلف الناتو، سيتبع من جانبنا على الفور، حرفيا في نفس اللحظة، أمرا بوقف إطلاق النار وبدء المباحثات. أكرر: سنقوم بهذا على الفور. وبطبيعة الحال، سنضمن في نفس الوقت انسحاب الوحدات والتشكيلات الأوكرانية بصورة آمنة ومن دون عراقيل.
بالطبع، نود أن نعقد الأمل على أن يُتخذ قرار كهذا، بشأن انسحاب القوات وصفة عدم الانحياز وبداية حوار مع روسيا، الذي يعتمد عليه وجود أوكرانيا في المستقبل، بصورة مستقلة في كييف، وبناء على الحقائق السائدة واسترشادا بالمصالح الوطنية الحقيقية للشعب الأوكراني، وليس بناء على أوامر من الغرب، رغم وجود شكوك كبيرة بالطبع في ذلك.
ولكن، ما أريد أن قول مرة أخرى في هذا الصدد، وبماذا أذكركم؟ قلت إنني أود عرض التسلسل الزمني للأحداث مرة أخرى. دعونا نصرف بعض الوقت على هذا.
إذن إبان الأحداث في "ميدان" في كييف في 2013-2014، عرضت روسيا مرارا مساعدتها في الحل الدستوري للأزمة، التي جرى تدبيرها بالفعل في الخارج. دعونا نعود إلى التسلسل الزمني للأحداث في نهاية فبراير 2014.
في 18 فبراير، بدأت في كييف اشتباكات مسلحة أثارتها المعارضة. وأضرمت النيران في عدد من المباني، بما في ذلك بلدية المدينة ومبنى النقابات العمالية. في 20 فبراير، أطلق قناصة مجهولون النار على المتظاهرين وأفراد إنفاذ القانون، أي أن العقول المدبرة للانقلاب المسلح بذلت قصارى جهدها لدفع الوضع إلى العنف والتطرف. وأولئك الذين كانوا في شوارع كييف وأعربوا عن استيائهم من السلطات آنذاك، تم استخدامهم عمدا كوقود للمدافع لأغراضهم الأنانية. إنهم يمارسون اليوم نفس الشيء بالضبط، حيث يقومون بتعبئة الناس وإرسالهم للذبح. ولكن كانت في ذلك الوقت فرصة للخروج من الوضع بطريقة حضارية.
من المعروف وقع رئيس أوكرانيا آنذاك والمعارضة في 21 فبراير، اتفاقا لتسوية الأزمة السياسية. وكان ضامنوها، كما هو معروف، الممثلين الرسميين لألمانيا وبولندا وفرنسا. ونص الاتفاق على العودة إلى شكل الحكم البرلماني-الرئاسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة وفاق وطني، فضلا عن انسحاب قوات إنفاذ القانون من وسط كييف، وأن تسلم المعارضة الأسلحة.
ويجب أن أضيف أن البرلمان الأوكراني تبنى قانوناً يستبعد الملاحقة الجنائية للمتظاهرين. إن مثل هذا الاتفاق، الذي كان من شأنه أن يوقف العنف ويعيد الوضع إلى الإطار الدستوري، كان أمرا واقعا. وقد تم التوقيع على هذه الاتفاقية، رغم أن كييف والغرب يفضلان عدم تذكرها أيضاً.
سأخبركم اليوم بحقيقة مهمة أخرى لم يتم الكشف عنها علنا من قبل: في نفس الساعة من يوم 21 فبراير، أجريت محادثة مع نظيري الأمريكي بمبادرة من الجانب الأمريكي. في الأساس، دعم الزعيم الأمريكي بصورة لا لبس فيه اتفاق كييف بين السلطات والمعارضة. علاوة على ذلك، وصفه بأنه اختراق حقيقي وفرصة للشعب الأوكراني لمنع العنف المتصاعد من تجاوز جميع الحدود التي يمكن تخيلها.
علاوة على ذلك، قمنا معا إبان المحادثات، بوضع الصيغة التالية: ستحاول روسيا إقناع رئيس أوكرانيا بالوكالة آنذاك بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وعدم استخدام الجيش وأجهزة إنفاذ القانون ضد المتظاهرين. وبناء على ذلك، ستدعو الولايات المتحدة كما قيل، المعارضة، الالتزام بالنظام، وإخلاء المباني الإدارية، والعمل على تهدئة الشارع.
وكان من المفترض أن يخلق كل هذا الظروف كي تعود الحياة في البلاد في مجراها الطبيعي، وإلى المجال الدستوري والقانوني. وبشكل عام، اتفقنا على العمل معا من أجل أوكرانيا المستقرة والسلمية والنامية بشكل طبيعي. لقد أوفينا بالتزاماتنا بالكامل. وفي ذلك الوقت، فإن رئيس أوكرانيا آنذاك، يانوكوفيتش، لم يخطط في الواقع لاستخدام الجيش، ولم يقم بذلك، وعلاوة على ذلك، سحب وحدات شرطة إضافية من كييف.
وماذا عن زملائنا الغربيين? في ليلة 22 فبراير ثم طوال اليوم الذي تلاه، عندما غادرالرئيس يانوكوفيتش إلى خاركيف، حيث كان من المقرر عقد مجلس نواب المناطق الجنوبية الشرقية من أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، سيطر المتطرفون، رغم جميع الاتفاقات والضمانات من الغرب (كل من أوروبا ، كما قلت للتو ، والولايات المتحدة) ، بالقوة على مبنى البرلمان، والإدارة الرئاسية ، واستولوا على الحكومة. ولم يقم أحد من ضامني كل هذه الاتفاقات بشأن التسوية السياسية – لا الولايات المتحدة ولا الأوروبيون- بأي شيء للوفاء بالتزاماتهم، ودعوة المعارضة إلى إخلاء المرافق الإدارية التي تم الاستيلاء عليها، ونبذ العنف. ومن الواضح إن سير الأحداث ليس فقط ناسبهم، بل يبدو أنهم الذين خططوا لتطور الأحداث بهذه الطريقة.
وتبنى البرلمان الأوكراني أيضا، في 22 فبراير 2014، في انتهاك لدستور أوكرانيا، قرارا بشأن ما يسمى بالإقالة الذاتية للرئيس الحالي يانوكوفيتش من منصب الرئيس، وقرر إجراء انتخابات مبكرة في 25 مايو. أي وقع انقلاب مسلح، بتحريض خارجي، وبموافقة ضمنية ودعم مباشر من الغرب، وأحبط الراديكاليون الأوكرانيون كل محاولات الخروج السلمي من الوضع.
ثم أقنعنا كييف والعواصم الغربية لبدء حوار مع سكان جنوب شرق أوكرانيا، واحترام مصالحهم وحقوقهم وحرياتهم. كلا لم يعجبهم هذا، واختار النظام الذي دخل السلطة عنوة نتيجة للانقلاب، الحرب، ونشر في ربيع وصيف عام 2014 أعمالا تنكيليه ضد دونباس. ودعت روسيا مرة أخرى إلى السلام.
لقد عملنا بكل ما في وسعنا لحل المشاكل الأكثر حدة التي نشأت في إطار اتفاقيات مينسك، لكن الغرب وسلطات كييف، كما أكدت بالفعل، لن يمتثلوا لها. رغم أن زملاءنا الغربيين، بمن فيهم رأس البيت الأبيض، تعهدوا لنا، أن اتفاقات مينسك مهمة وأنهم ملتزمون بعمليات تنفيذها. وأن هذا، في رأيهم، سيساعد على معالجة الوضع في أوكرانيا، واستقراره، ومراعاة مصالح سكان الشرق. و كما قلت بدلا من ذلك، قاموا بتنظيم حصار على دونباس. وكانت القوات الأوكرانية تستعد باستمرار لعملية واسعة النطاق للقضاء على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
لقد دُفنت اتفاقيات مينسك نهائيا بيد نظام كييف والغرب. وسأعود إلى هذا مرة أخرى. لهذا السبب بالضبط اضطرت روسيا في عام 2022 إلى بدء عملية عسكرية خاصة لإنهاء الحرب في دونباس وحماية المدنيين من الإبادة الجماعية.
وفي الوقت نفسه، ومنذ الأيام الأولى، ما فتئنا نطرح خيارات للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة، كما سبق أن قلت اليوم. وشمل هذا المباحثات في بيلاروسيا وتركيا وانسحاب القوات من كييف من أجل تهيئة الظروف لتوقيع اتفاقيات إسطنبول، التي تم الاتفاق من حيث المبدأ عليها جميعا. لكن محاولاتنا هذه رُفضت في النهاية مرة أخرى. واتجه الغرب وكييف نحو الحاق الهزيمة بنا. ولكن، كما تعرفون، كل هذا باء بالفشل.
ونقدم اليوم اقتراحا آخر ملموسا وحقيقيا للسلام. إذا رفضت كييف والعواصم الغربية ذلك أيضا، كما كان من قبل، فهذا في النهاية هو عملهم ومسؤوليتهم السياسية والأخلاقية عن استمرار إراقة الدماء. ومن الواضح أن الحقائق على أرض الواقع، وعلى خط التماس، سوف تستمر في التغير وليس في صالح نظام كييف. وستكون شروط بدء المفاوضات مختلفة.
أؤكد على الشيء الرئيس: إن جوهر اقتراحنا ليس شكلا من أشكال من الهدنة المؤقتة أو تعليق إطلاق النار، كما يريد الغرب، من أجل استعادة الخسائر، وإعادة تسليح نظام كييف، وإعداده لهجوم جديد. أكرر: نحن لا نتحدث عن تجميد النزاع، ولكن عن نهايته النهائية.
وسأقول مرة أخرى: بمجرد أن توافق كييف على مسار مماثل للأحداث المقترحة اليوم، وتوافق على الانسحاب الكامل لقواتها من مناطق جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وخيرسون وزابوروجيي وتبدأ هذه العملية بصورة فعلية، فنحن مستعدون لبدء المباحثات من دون تأجيل.
وأكرر: موقفنا المبدئي هو ما يلي: أن يكون وضع أوكرانيا دولة محايدة وغير منحازة وخالية من الأسلحة النووية، ومجردة من السلاح وتزيل النزعات النازية، لا سيما وقد اتفق الجميع بشكل عام على هذه المعايير في المباحثات التي جرت في إسطنبول في عام 2022. وجرى الاتفاق حتى على ما يتعلق بنزع السلاح، وكان كل شيء واضحا، وتم توضيح كل شيء: عدد هذه الدبابات. واتفقنا على كل شيء.
وبطبيعة الحال، يجب ضمان حقوق وحريات ومصالح المواطنين الناطقين بالروسية في أوكرانيا بشكل كامل، ولابد من الاعتراف بحقائق وحدة الأراضي الجديدة، بما في ذلك بوضع جمهوريات شبه جزيرة القرم، وسيفاستوبولودونيتسك، ولوغانسك الشعبية، ومنطقتي خيرسون، وزابوروجيي، باعتبارها أجزاء من روسيا الاتحادية. وفي المستقبل، ينبغي تسجيل كل هذه الأحكام الأساسية والمبدئية في شكل اتفاقيات دولية ثابتة. وبطبيعة الحال، فإن هذا يستلزم أيضا رفع جميع العقوبات الغربية ضد روسيا.
أعتقد أن روسيا تطرح خيارا يتيح إنهاء الحرب في أوكرانيا بصورة حقيقية، أي أننا ندعو إلى طي الصفحة المأساوية من التاريخ، ولتكن صعبة ذلك، ولكن البدء تدريجيا في استعادة علاقات الثقة وحسن الجوار بين روسيا وأوكرانيا، وفي أوروبا بشكل عام.
وإذ نقوم بتسوية الأزمة الأوكرانية، فإننا، بما في ذلك مع شركائنا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ومنظمة شانغهاي للتعاون، الذين ما زالوا يقدمون مساهمة كبيرة وبناءة في البحث عن سبل لحل الأزمة الأوكرانية سلميا، وكذلك الدول الغربية، بما في ذلك الدول الأوروبية، مستعدون للحوار، وبإمكاننا المباشرة في المهمة الأساسية التي تحدث عنها في بداية كلمتي، وهي إنشاء نظام أمني أوراسي غير قابل للتجزئة ويأخذ في الاعتبار مصالح كافة دول القارة، دون استثناء.
بالطبع، إن العودة الفعلية إلى المقترحات الأمنية التي طرحناها قبل 25 أو 15 أو حتى عامين أمر مستحيل، لقد حدث الكثير، والظروف تغيرت. لكن المبادئ الأساسية، والأهم، موضوع الحوار نفسه لم يتغير. وتدرك روسيا مسؤوليتها عن الاستقرار العالمي، وتؤكد من جديد استعدادها للتحدث مع جميع البلدان. ولكن لا ينبغي أن يكون هذا محاكاة لعملية السلام، لغرض خدمة الإرادة الأنانية لطرف ما، والمصالح الأنانية لطرف ما، بل محادثة جادة وشاملة حول جميع القضايا، حول مجموعة كاملة من قضايا الأمن العالمي.
زملائي الأعزاء! أنا واثق من أنكم جميعا تفهمون جيدا المهام واسعة النطاق التي تواجهها روسيا، وكم يتعين علينا القيام به، بما في ذلك في مجال السياسة الخارجية.
أتمنى لكم مخلصا النجاح في هذا العمل الصعب لضمان أمن روسيا ومصالحنا الوطنية وتعزيز مكانة البلاد في العالم وتعزيز عمليات التكامل والعلاقات الثنائية مع شركائنا.
إن قيادة الدولة من جانبها، ستواصل تزويد الإدارة الدبلوماسية وجميع المشاركين في تنفيذ السياسة الخارجية لروسيا بالدعم اللازم.
شكرا لكم مرة أخرى على عملكم، شكرا لكم على صبركم واهتمامكم بما قيل. أنا متأكد من أننا وإياكم سننجح. شكرا جزيلا لكم.
لافروف: فلاديمير فلاديميروفيتش المحترم
شكرا جزيلا على تقييمكم لعملنا.
نحن نسعى. الحياة تجبرنا على السعي بشكل أفضل. وسنقوم بذلك. يدرك الجميع أن هذا مطلوب لمصير البلد وشعبنا، وإلى حد ما، لمصير العالم.
سوف نقوم بتنفيذ تعليماتكم، التي عرضتموها الآن، والتي توضح بالتفصيل مفهوم الأمن الأوراسي، بصورة ملموسة الى اقصى حد، وبالتعاون مع زملائنا من المؤسسات الأخرى.
سنساعد في حل حالات الأزمات المنفردة، والتي، بالطبع، فأن الأزمة الأوكرانية ذات أهمية أولوية بالنسبة لنا، في سياق بناء نظام أمني جديد وعادل وغير قابل للتجزئة يقوم على نفس المبادئ.
سنستخدم مبادرتكم الجديدة في مختلف الأوضاع، بما في ذلك في عملنا في إطار مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، مع جمهورية الصين الشعبية، مع دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، التي تقدم أيضا مبادراتها الخاصة، ولكن لا يزال يتم تجاهلها تماما من قبل أولئك الذين يديرون أوكرانيا.
شكرا مرة أخرى. سنواصل بذل قصارى جهدنا.