19:28:36

كلمة وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي بشأن بند جدول الأعمال "الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية"، نيويورك ، 25 أبريل/ نيسان 2023

791-25-04-2023

الزملاء المحترمون،
السيدات والسادة،
يمر الشرق الأوسط اليوم بتحول عميق، الذي يتكشف بصورة متناقضة للغاية. ويتطلب أكثر من أي وقت مضى، معافاة العلاقات بين دول المنطقة، والاستقرار في مناطق النزاعات وتكثيف الجهود الرامية لتسويتها السياسية ـ الدبلوماسية بالاستناد إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
إن موقفنا معروض في المفهوم الجديد للسياسة الخارجية لروسيا. وننطلق من أولوية إقامة نظام ثابت وشامل للاستقرار والتعاون في الشرق الأوسط ، وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات. ونعتزم تطوير تعاون نشط مع جميع بلدان المنطقة سواء بصيغة ثنائية أو عن طريق اتصالاتنا مع منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. ونرى أن الاهتمام يتنامى بالمبادرة الروسية لضمان الأمن الجماعي بمشاركة جميع الدول الواقعة على ساحل "الخليج" - سواء العربية أو إيران - وبمشاركة " دائرة خارجية" من الدول ذات النفوذ.
ونرحب بالتغييرات الإيجابية التي بدت في الآونة الأخيرة  صعبة التحقيق. أعني، قبل كل شيء، استعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية بوساطة جمهورية الصين الشعبية، والبرامج العملية لعودة سوريا إلى "الأسرة العربية" (التي عملنا من أجلها منذ فترة طويلة). والتطبيع بين دمشق وأنقرة الذي بدأ بمساعدة روسية، باستعمال مزايا "صيغة أستانا". وإلى حد كبير بفضل مبادرة الرياض، جرى اتخاذ خطوات لتسريع تسوية النزاع الدموي في اليمن.
وفي الوقت نفسه، نلاحظ وببالغ الأسف والقلق، أن المشكلة الفلسطينية ما تزال "خارج عملية" التغييرات الإيجابية. وفي الوقت الذي طرحنا مبادرة لعقد هذه جلسة اليوم، فقد سعينا إلى رفع الاهتمام  بتصاعد التوتر والعنف غير المسبوق في منطقة النزاع العربي - الإسرائيلي. ونعتقد أنه من الضروري أكثر من أي وقت مضى إعادة التأكيد على "القواسم المشتركة" للتسوية في الشرق الأوسط المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، ووقف خطر نشوب مواجهة مسلحة أخرى، وتمهيد الأفق السياسي لاستئناف عملية السلام.
لقد أدت الأحداث في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وخط فك الارتباط بين إسرائيل ولبنان وسوريا، إلى تصعيد التوتر لمستويات خطيرة للغاية. ومنذ بداية العام، ونتيجة الغارات العسكرية في جنين وأريحا ونابلس وحُوّارة والاشتباكات المتصلة بانتهاك وضع الأماكن المقدسة، جرى  قتل أكثر من 100 فلسطيني، وجرح آلاف آخرين. كما يزداد عدد الضحايا الإسرائيليين، كما ذكر ممثل ذلك البلد للتو.
والضربات الإسرائيلية في سوريا، تُفاقم الوضع  (ما لا يقل عن 10 هجمات في عام 2023)، بما في ذلك قصف مطار حلب، الذي يتم من خلاله إيصال المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال المدمر في 6 فبراير من هذا العام. وارتفعت الحوادث على طول "الخط الأزرق" مع لبنان، بما في ذلك جرى أكبر تبادل بالضربات الصاروخية منذ عام 2006.
والسبب الرئيس لاندلاع العنف الدوري بين الفلسطينيين وإسرائيل هو اتخاذ خطوات أحادية الجانب لخلق حقائق لا رجوع عنها "على الأرض" واختيار أساليب قائمة على القوة " لحماية" هذه "الحقائق". ومن المستحيل تجاهل ضرب وتيرة بناء المستوطنات رقما قياسيا، مع إضفاء الشرعية بأثر رجعي على البؤر الاستيطانية، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، والاعتقالات التعسفية. ومن غير المقبول بالمثل أن نغض الطرف عن التطرف المتزايد في "الشارع الفلسطيني" وتعميق الانقسام بين الأحزاب الفلسطينية الرئيسية الوخيمة بعواقب المواجهات العنيفة.
في مثل هذه الظروف، نعتبر أنه من المهم إزالة  ووضع حد لأعراض الحالة المتفاقمة. نحن نعتبر أنه من الضروري المطلق أن يؤكد جميع اللاعبين الرئيسيين أنه لا يوجد بديل لحل الدولتين  يلبي حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحق الإسرائيليين في السلام والتعايش الآمن مع جيرانهم وفي المنطقة بأسرها. إن العودة إلى المفاوضات المباشرة حول جميع قضايا الوضع النهائي  يمكنها فقط أن تكسر الحلقة المفرغة للعنف والتطرف واستعادة الثقة المتبادلة.
ولكن، تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المحاولات الهدامة لاستبدال العالم الواقعي ببعض التدابير الاقتصادية النصفية والترويج للتطبيع العربي ـ الإسرائيلي بحركة الالتفاف على الحل العادل للمشكلة الفلسطينية والالتفاف على مبادرة السلام العربية، بدلا من المساعدة في استعادة الأفق السياسي، ووقع "رباعي" الوسطاء الدوليين في الشرق الأوسط ضحية لهذه الأعمال.
وتدعي واشنطن الآن أنها الراعي الوحيد لعملية التسوية في الشرق الأوسط، دون أن ترتبك من أنها فقدت منذ فترة طويلة  الصفات الثابتة للوسيط والنزيه المتمثلة بالحياد وعدم التحيز، ولا سيما بعد القرارات المعروفة لإدارة دونالد ترامب التي تتعارض بصورة مباشرة مع قرارات مجلس الأمن الدولي والتي لم تلغها إدارة جون بايدن.
إن عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن- وليس فقط بشأن مشكلات التسوية في الشرق الأوسط - تستحق الذكر بصفة خاصة، واليكم باي صدد. منذ وقت ليس ببعيد، ألقت الولايات المتحدة وحلفاؤها كل قواهم على أنه وفي كل مرة يجري فيها في مجلس الأمن الدولي استخدام حق النقض بشأن أي قضية، تنقل هذه القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. لم نعترض على ذلك، على الرغم من أن الفكرة كانت موجهة علانية ضد روسيا. ليس لدينا ما نخفيه: فعندما نستخدم حق النقض، نشرح الأسباب بوضوح. ولا نتردد في تكرار حججنا في الجمعية العامة.
ولكن المسالة تكمن في أن حق النقض هو حق لا يٌنزع، وهو جزء كامل القيمة من الآليات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. إن استخدام حق النقض لا يحتوي على أي انتهاكات.
ولكن عدم تنفيذ القرارات التي اتخذها مجلس الأمن يشكل انتهاكا للميثاق. وبالتحديد، المادة 25 من الميثاق، التي تقتضي من الجميع تنفيذ قرارات مجلس الأمن. ربما حان الوقت لمَن دَفنَ علنا القرارات التي تم تبنيها لتقديم تقرير إلى الجمعية العامة? ومن بين هذه القرارات التي نسفها الغرب، قرارات بشأن فلسطين، ومرتفعات الجولان، والصحراء الغربية، وتسوية كوسوفو، والبرنامج النووي الإيراني، وبالطبع بشأن اتفاقات مينسك المتعلقة بأوكرانيا، التي ناقشناها أمس بالتفصيل.
ويضارب الأمريكيون والأوروبيون بفظاظة على الموضوع الأوكراني، ويحاولون خلال الابتزاز والتهديد استمالة الدول النامية إلى جانبهم وبالتالي صرف أنظارها عن مشاكلات الشرق الأوسط ومناطق أخرى من الجنوب العالمي.  ويقولون، سنهزم روسيا الآن، وسيترتب كل شيء من تلقاء نفسه. وبالتالي، فإن الأزمات في التسوية التي كانت البلدان النامية مهتمة بها منذ فترة طويلة تصبح ضحية للمعايير المزدوجة والغرائز الاستعمارية للغرب، والمسكون بالمصالح الأنانية لإملاء مطالبه على العالم بأسره، وتجاهل ثقافة وتقاليد الشعوب الأخرى، والاستخفاف بالقانون الدولي.
اسمحوا لي أن أقتبس مقالا من مقابلة مع وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن مع وولف بليتزر من سي أن أن في 8 فبراير 2021. وردا على سؤال حول مرتفعات الجولان، قال وزير الخارجية إنه، وبغض النظر عن الجوانب القانونية لهذه القضية، من الناحية العملية  فإن الجولان مهم جدا لأمن إسرائيل. فما دام أن الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة في سوريا، وما دام أن إيران موجودة في سوريا، وهناك ميليشيات تدعمها إيران، ونظام الأسد نفسه فإن كل هذا يشكل تهديدا خطيرا على أمن إسرائيل، ومن الناحية العملية، أعتقد أن السيطرة على الجولان في هذا الوضع لا تزال ذات أهمية كبيرة لأمن إسرائيل. القضايا القانونية شيء آخر.
اقتبستُ من  حديث أنتوني بلينكين، الذي قال مرتين: " ترك الجوانب القانونية لهذه القضية، جانبا" و"القضايا القانونية - هذا شيء آخر". وهذا مثال على كيفية تنفيذ القرارات، وكيف أن الولايات المتحدة تتخذ لنفسها وضعية في منظمتنا.
وفي مثل هذه الظروف، فإن دور الأمم المتحدة كمنسق للدبلوماسية المتعددة الأطراف، مطلوب. وندعو رئاسة الأمانة العامة والأمين العام شخصيا إلى إيلاء اهتمام متزايد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما القرارات المتعلقة بالتسوية في الشرق الأوسط. ونود أيضا أن يكون الأمين العام أكثر نشاطا في القيام بواجباته كمنسق "للرباعي"، دون انتظار وصول "الترخيص".
وقد أعلن الأمين العام مؤخرا مبادرة عن عقد اجتماع بشأن أفغانستان في أوائل مايو. نحن ندعم ذلك. ولكن لماذا لا  تُعلن مبادرة كهذه  أيضاً عن عقد اجتماع « للرباعي» ؟ وهذا من صلاحياته.
وفي الوقت نفسه، ندعو الإسرائيليين والفلسطينيين إلى وقف جميع الأعمال أحادية الجانب التي تعرض للخطر إمكانية تنفيذ صيغة الدولتين، بما في ذلك الهجمات الإرهابية وغيرها من الهجمات المسلحة، والتحريض على العدوان، والاستخدام المفرط للقوة من جانب أي طرف، والأنشطة غير القانونية المتعلقة بالمستوطنات، ومحاولات تغيير الوضع الراهن في القدس.
ونتمنى أن تتجاوز الحركات الفلسطينية طموحاتها الحزبية والالتفاف حول البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومن شأن ذلك أن يحسن الحالة الاجتماعية - الاقتصادية، ويعزز المؤسسات الإدارية، وأن يكون مستعدا للحوار مع إسرائيل بالنيابة عن الشعب الفلسطيني بأسره. ونعرف أن أصدقاءنا من مصر والأردن والجزائر وزملائنا الآخرين يعملون أيضا على استعادة الوحدة الفلسطينية. كما نبذل جهودا في هذا الاتجاه. وسنواصل ذلك.
وأود أن أشير إلى الدور الخاص الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية بصفتها صاحبة مبادرة السلام العربية، ودور الأردن فيما يتعلق بالوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، ودور جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. ونعلق أهمية فائقة على ضرورة بذل كل ما هو ممكن لمواصلة عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط .
وستواصل روسيا بذل قصارى جهدها للإسهام في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودفع عملية التسوية في الشرق الأوسط إلى الأمام سوية مع بلدان المنطقة وبالتنسيق مع وسطاء نزيهين آخرين. وكالعادة، نحن منفتحون لمناقشة المبادرات ذات الصلة في إطار العمل الجماعي في الأمم المتحدة.
 

Некорректно указаны даты
Дополнительные инструменты поиска

Последние добавленные