the Islamic Republic of Iran
كلمة وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرجي لافروف في جلسة نادي فالداي الدولي للمناقشة، بصدد سياسة روسيا في الشرق الأوسط، سوتشي ، 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2019
أندري فاديموفيتش المحترم،
زملائي المحترمون،
شكرا لدعوتي إلى منتدى فالداي وإلى هذه المناقشة.
أنا ممتن للغاية للمنظمين لاختيارهم - الوضع في الشرق الأدنى والأوسط كموضوع للمناقشة. إنه مهد العديد من الحضارات والأديان العالمية. الآن حينما تحول إلى ساحة للتجارب، وبصراحة نقول، تجارب طائشة أدت إلى عواقب كارثية، فإن هذا الموضوع حاد للغاية. ربما أن جذر ما يحدث هناك ينحصر في أحد الاقتباسات التي القيتُ النظر عليها في التقرير السنوي لنادي فالداي: "عدم التدخل في الشؤون الداخلية مجرد كلمات، وليس قاعدة سلوك". اقتباس آخر: "سيادة الدول لم تعد تحد الآخرين في تصرفاتهم". يبدو أن هذا بيانا بسيطا وواضحا، ولكن، كما يقولون، "ينظر في الجذر".
استحالت المغامرات مع تغيير الأنظمة في العراق وليبيا، في الواقع، إلى تدمير كيان الدولة في هذه البلدان. لقد نجح العراق الآن اكثر إلى حد ما في إعادة دولته الى الوضع الطبيعي. نحن نساعد بنشاط زملائنا العراقيين، بما في ذلك زيادة الفعالية القتالية لقواتهم الأمنية والجيش، في مكافحة فلول الجماعات الإرهابية.
في ليبيا، الوضع أسوأ بكثير، على الرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لعقد نوع من الحوار الشامل. ولكن هناك الكثير من اللاعبين الأجانب، وحتى الآن لا يمكن بدء عملية مستدامة.
ألقِوا نظرة على تاريخ هذه المنطقة - من أواخر السبعينيات، وأوائل الثمانينيات. عندما كان الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، نظم المجاهدون المقاومة، وكان زملاؤنا الأمريكيين يدعمونهم بنشاط، زودوهم بالأسلحة، وبكل شيء آخر ضروري للكفاح المسلح. ونتيجة لذلك ظهرت القاعدة، التي ما زالت تشعر بانها في حالة جيدة حتى يومنا هذا، وأنزلت في 11 سبتمبر 2001 ضربات بالولايات المتحدة. يبدو أنه في ذلك الوقت كان يجب الاستنتاج بأن من الإجرام عقد الآمال على إمكانية السيطرة على الإرهابيين، ووضع الرهان عليهم على أمل استخدامهم لأغراض جيوسياسية، والافتراض بأنه يمكن القيام بذلك حتى لا يؤذوننا، ولن يخرجوا من تحت السيطرة. هذا وهم.
مثال آخر على " الوقوع في نفس الحفرة" هو غزو العراق، الذي أدى في النهاية إلى ظهور "الدولة الإسلامية".
أدى غزو سوريا، وتحفيز الاضطرابات في هذا البلد، على أمل زعزعة هذه الدولة الشرق أوسطية، إلى أن "القاعدة" وجدت تجسيدا جديدا لها في جماعات أخرى، التي من اشهرها ـ جماعة "هيئة تحرير الشام"، التي هي الآن المشكلة الرئيسية في إدلب.
بعد ما حدث في ليبيا، عندما قصفوها، في انتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية مرتبطا بشكل وثيق مع الجماعات الإرهابية في إفريقيا – مثل " تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"بوكو حرام" و"الشباب". وتقوم هذه الأممية الإرهابية الآن بالفعل، بترهيب ربما نصف القارة الأفريقية، وخاصة يخربون ويتلفون في منطقة الساحل والصحراء. وهذا هو الواقع الذي نشأ عندما شعر المنتصرون في "الحرب الباردة" بالإفلات من العقاب، وان كل شيء لهم مباح، وقرروا التصرف وفقا لمبدأ "أفعل ما يحلو لي".
في سوريا، وبناءً على طلب الحكومة الشرعية، دافعنا عن سيادتها وسلامة أراضيها وبالنتيجة تمكنا من منع السيناريو الليبي هناك، والذي سبب، وللأسف الشديد، في رد فعل عصبي من قبل شركائنا الغربيين. ونظروا إلى ما يجري ليس من وجهة نظر الحاجة إلى قمع الإرهابيين والمتطرفين، ولكن من وجهة نظر الصراع الجيو سياسي. لماذا تسمح روسيا لنفسها القيام بنفس الشيء، الذي لا يجب لغيرهم ان يقوم به؟ ما هو مسموح لجوبيتر - لا يسمح للثور القيام به دائما.
وهذه بالتحديد أسباب ردود الفعل العصبية، حتى الهستيرية، على ما جرى في حلب، وفي مناطق أخرى من الجمهورية العربية السورية، حيث حرر الجيش السوري، بدعمنا، تلك الأراضي من الإرهابيين. تذكروا أي أنين وتأوه عن الفظائع في حلب، حول تجويع السكان، وعدم تقديم الأدوية اللازمة؟ وبمجرد تحرير شرق حلب، وصل ممثل منظمة الصحة العالمية في سوريا ، وهي امرأة نزيهة، وقالت إن هناك الكثير من المستودعات التي تحتوي على الأدوية وجميع المعدات الطبية اللازمة التي كانت تحت سيطرة المسلحين. لم يكتب أحد عن هذا. لقد كتبوا فقط أن النظام السوري والروس "يدمرون السكان المدنيين".
وتمت استعادة الحياة السلمية في حلب بأقصر وقت ممكن، وتطهيرها من الألغام في وقت قياسي، وتم توفير كل المواد الضرورية للسكان، الذين بدأوا في العودة الى منازلهم. لم يحدث شيء مثل هذا، على سبيل المثال في الرقة، حيث حسم التحالف، الذي يقوده الأمريكيون، قضايا المعركة ضد الإرهاب من خلال القصف الشامل الذي يدمر المنطقة المستهدفة باسرها. وعلى مدار عام ونصف أو عامين، لم يتم هناك دفن جميع الجثث، ناهيك عن إزالة الألغام. لذلك، فإن المعايير المزدوجة واضحة هنا. وهذا أمر محزن، لأن مهمتنا المشتركة، كما أفهمها، هي عدم السماح لأن تصبح هذه المنطقة "محمية" للإرهابيين،. وكما هو ظاهر على السطح، فان ليبيا نفسها ،وكما أشرت سابقا، تسير في هذا الاتجاه. وهذا وضع خطير جدا.
وبدلاً من توحيد الجهود في محاربة الإرهاب من دون معايير مزدوجة، ومن دون محاولة استخدام قطاع الطرق لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية، والتخلي عن منطق "الصديق أو العدو"، يحاول زملاؤنا، بكل الوسائل اتهام السلطات السورية بجميع الخطايا المميتة. لن أتطرق بالتفصيل إلى الحالة التي تطورت في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. هذا مجرد مثال صارخ على الطريقة التي يحاول بها الغرب، في الواقع، خصخصة أمانة منظمة دولية عالمية. ويحاول عن طريق لوي أذرع البلدان، التي لا تستطيع إعلان موقفها والشعور بنفسها بالأمان، تغيير الاتفاقية العالمية إلى شيء يسمح له من خلال الموظفين المطيعين في أمانة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إحلال الفوضى، في المجال القانوني، أو بالأحرى خارج هذا المجال القانوني. ومع ذلك، فنحن واقعيين، ونريد العمل مع أي طرف يمكنه المساعدة في حل المشاكل بشكل واقعي. هناك بارقة تفكير سليم في اتصالاتنا مع كل من زملاءنا الأمريكيين وزملاءنا الغربيين. انهم رحبوا، ولو على مضض، بالاتفاقات التي تم التوصل إليها بمساعدة نسق أستانا بين الحكومة والمعارضة في سوريا، بشأن تشكيل اللجنة الدستورية، وتنسيق آلية عملها. لمسة بسيطة: يعلم الجميع أن هذه العملية أصبحت ممكنة بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي في يناير 2018. والجميع يعلم أنه هناك تبنى مندوبون من الحكومة والمعارضة والبرلمان وممثلو الرأي العام قرار تشكيل لجنة دستورية. ويعلم الجميع الجهود التي بذلها "ثلاثي أستانا" لتحقيق ذلك. وكان يمكن أن يحدث هذا قبل عام، لو لم يمنع زملاؤنا الغربيون الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس منح ستفان دي ميستورا الموافقة على لائحة أعضاء اللجنة الدستورية، التي وافقت عليها المعارضة، والحكومة بمساعدة "ثلاثي أستانا". نحن لم نضمر ضغينة، وواصلنا العمل. ومن اللافت أن ممثل الاتحاد الأوروبي، عندما رحب بالإعلان عن إنشاء اللجنة الدستورية، لم يذكر ولو بكلمة واحدة "ثلاثي أستانا"، على عكس الولايات المتحدة، التي اعترفت بدور روسيا وإيران وتركيا في بيان علني.
أمامنا عمل صعب للغاية وأكثر تعقيدًا مما كان عليه من قبل، حيث سيكون الآن على طاولة مفاوضات واحدة وفود المعارضة والنظام والمجتمع المدني، الذين يجب عليهم الاتفاق على الإصلاح الدستوري، الذي يجب أن يكون هو بالتحديد أساس الانتخابات المقبلة. هذه هي الحالة التي تكون فيها جميع الأوراق على الطاولة. آمل أن تسهم الأمم المتحدة بشكل محايد في هذه العملية. ان "ثلاثي أستانا " لن يقف جانبا. وسنعمل كل ما في وسعنا حتى يتفق السوريون بأنفسهم، من دون أي تدخل خارجي. هناك مؤشرات على محاولات التدخل في هذه العملية. سوف نتصدى لها بلطف، ولكن بحزم.
عند الحديث عن المشاكل الأخرى في الشرق الأوسط، أشعر بقلق بالغ إزاء إعادة النظر والتحريفية التي تتجلى الآن في السياسة الأمريكية بشأن تسوية الشرق الأوسط، والتسوية الفلسطينية الإسرائيلية. في الواقع، تم التخلي عن حل الدولتين، وتم حظر عمل اللجنة الرباعية للوسطاء الدوليين. ويؤكدون لنا أن "صفقة القرن" المزعومة التي وعدونا بها منذ عامين، على وشك الظهور. ولكنها لا توجد حتى يومنا هذا. نحن نفهم تقريبا عن ماذا يدور الكلام: رفض حل الدولتين. في هذا، نحن إلى جانب العالم العربي بأسره وجميع أعضاء الأمم المتحدة الآخرين، سنلتزم التزاما راسخا بالقرارات التي اتخذها مجلس الأمن الدولي، والتي يجب تنفيذها. بالطبع تحتاج هذه المنطقة إلى بنية شاملة. هذا ضروري من منظور ما يجري في الخليج. وللأسف، شرعت واشنطن في شيطنة جمهورية إيران الإسلامية وعزلها وإجبارها على الاستسلام. لا أعتقد أن هذه سياسة بعيدة النظر. إن تلك الاتهامات التي يتم توجيهها إلى إيران في مختلف الحجج، لا تعتمد على أي حقائق مقنعة.
بطبيعة الحال، كان انسحاب الولايات المتحدة من خطة عمل البرنامج النووي الشامل المشترك، مثالاً نموذجيًا على التجاهل التام للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي. فضلا عن ذلك، أن الولايات المتحدة، لم ترفض تنفيذ هذه القرارات فحسب، بل إنها تمنع جميع الدول الأخرى من تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتهددها بالعقوبات (في حال تنفيذه).
إن مبادرات زملائنا الأمريكيين الأخرى في هذه المنطقة، بما في ذلك ما يسمى " ناتو الشرق الأوسط" والتحالف الدولي لسلامة الملاحة البحرية في منطقة الخليج ـ تتعلق جميعها بترسيم الخطوط الفاصلة ضد جمهورية إيران الإسلامية. لا شك، من الضروري ضمان الأمن في الخليج، لكن لدى إيران أيضًا مقترحات، تختلف من حيث أنها ليست موجهة ضد طرف ما، وهي ليست حصرية، ولكن تقترح توحيد جهود جميع البلدان، وضمان القيام بدوريات، وضمان أمن عمل الشريان المائي هذا، ذي الأهمية العالمية . لدينا اقتراحنا الخاص حول بدء المناقشة بصدد تطوير مفهوم الأمن الجماعي في الخليج، وحوله على نطاق أوسع. جرت في منتصف سبتمبر في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، مناقشة على مستوى الخبراء لهذه الفكرة، حضرها أكثر من 30 متخصصا من روسيا والدول العربية وبريطانيا العظمى وفرنسا والهند والصين. أعتقد أن هذا الحوار مفيد للغاية.
هناك وضع صعب للغاية في اليمن، حيث، ووفقاً للأمم المتحدة، يواجه كارثة إنسانية كبرى، ولا يمكن حله إلا من خلال محادثات شاملة. ويبعث الأمل لدينا الاقتراح الذي تقدم به الحوثيون مؤخرا لوقف إطلاق النار، وبدء المحادثات. وكان هناك رد فعل إيجابي للغاية من ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان. أعتقد أن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي يسعى بإخلاص في دفع عملية التفاوض، يمكن أن يعتمد على هذه الخطوات الأخيرة، التي تخلق تفاؤلا حذرا للغاية.